فوزية الجار الله
«الحمدلله الذي لم يسلبني كل نعمة، فمنحني نعمة الحب!»
هي إحدى انتصاراتي الصغيرة، حين تصافحني براءتها أو أصغي إلى صوتها، تزداد سعادتي حين أعلم بأن صلة حميمة تربطني بها، هي كائن جميل يحاكي زهور الياسمين، لم يغادر الثامنة من عمره، تلك القرابة تنحدر من الأجداد.. ولذا حين رأيتها في تلك اللحظة احتضنتها بحنان، لم تنبس ببنت شفة بدت مشدوهة في حالة انخطاف وانبهار بذلك الصخب حولها، الموسيقى والإضاءات الملونة وأصوات الآخرين، كنا قد عقدنا النية لإسعادها قدر الإمكان رغم اللحظات القصيرة التي ستقضيها، لا بد أن تغادر عاجلاً فلديها دوام المدرسة في الصباح إضافة إلى التزام والدها بوقت العمل في الصباح الباكر.
كنا جميعاً في حالة استعداد للرقصة الخليجية، دارت الموسيقى عبر شاشة التلفاز.. لم تكن كلمات الأغنية في غاية الرقي، لكن ليس لذلك أثر سلبي، الأهم جمال اللحن الذي يجعلنا نتمايل سعادة أمامنا الفتاة الأخرى قريبتنا في غاية الحماس وقد وجهت عدسة الكاميرا إلينا، بدأت الصغيرة باقتحام حلبة الرقص على صدى هتافاتنا وتشجيعنا، أخذت تتحسس شعرها الطويل وهي تتمتم: سأحل ربطة شعري، خطت خطوتين.. ثلاث خطوات، ثم أخذت تتمايل بشعرها، تبعت خطواتها، استدرت حولها، بضع سيدات أخريات اتخذن مقاعد على مرأى غير بعيد منا، بدأن التصفيق وإطلاق الزغاريد، سمعت صوتاً عالياً كاد يطغى على صوت الموسيقى، رأيت إحداهن وقد بدا الخوف على ملامح وجهها تركض خارج المجلس بهلع، اندفعت خلفها، صوت فتاة الكاميرا كان عالياً وهي تردد: لا ، لا.. سمعت صراخاً وضجيجاً لم أتمكن من تمييز مصدره، تذكرت بأن المساء كان غائماً وقد هطلت أمطار خفيفة، حين عدنا إلى مواقعنا وقد خف الرعد، بدأت الفتاة بإعادة اللقطة وهي تضحك بلا توقف، وأنا أشاركها الضحك فقد اكتشفت بأن اندفاعي التلقائي خلف السيدة لم يكن ثمة ما يدعو له، فقد خشيت السيدة «بدافع من غريزة الأمومة» على طفليها الصغيرين (التوأم) وأرادت أن تطمئن عليهما، أما أنا فقد قرأت ملامحها سريعاً وخشيت إن كانا في تلك اللحظة قد بقيا في حديقة المنزل وهنا يكمن الخطر، لكنني اكتشفت وإياها أنهما في موقع آمن، ما زالت الفتاة تضحك وهي تحاول إعادة اللقطة لنحاول جميعاً فهم ما حدث، وكنت أسألها لماذا صرخت: لا..؟! أجابت وهي تستعرض اللقطة لنشاهد جميعاً ضوءاً يشع من النافذة، ولأن بعض الأطفال ما بين الثامنة والعاشرة يتكئون على مقعد بجوار النافذة برفقة هواتفهم الخلوية فقد ظنت بأن هذا الضوء يشير بأن أحدهم عمد إلى تصويرنا، وكانت تسأله بأن لا يفعل، لكن في الحقيقة كان الأمر أكبر من مجرد فلاش عدسة كاميرا، لم يكن رعداً عادياً، بل كانت صاعقة سبقها ضوء البرق خاطفا خاتلنا من النافذة ثم أعقبه صوت الصاعقة، التي أذهلتنا جميعاً، تم هذا الاكتشاف وقد تخللته ضحكاتنا الهستيرية ما بين الدهشة والمفاجأة وبقايا الوجل، في النهاية تساءلنا هل ثمة وقت لرقصة عاجلة نوثقها بلقطة مصورة تبقى في الذاكرة؟!