فهد بن جليد
رواية التاريخ وسرد الأحداث والقصص بلغة عامية ولهجة بيضاء محكية في وقتنا الحاضر, سهل كثيراً من فهمه وخلق اهتماماً لافتاً به لدى فئة الشباب الذين تناقلوا تلك القصص والأحداث التاريخية للاستشهاد بها عند الحاجة أو على الأقل فهمها, الفضل يعود لدور نفر من (السنابيين) الذين يقومون برواية التاريخ وسرد أحداثه وقصصه في مقاطع مصوَّرة على تطبيق (سناب شات) وغيره من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوب بسيط بعيد عن المُصطلحات ذات المعنى والدلالة البحثية, واستبدالها بالرواية الخفيفة والمصطلح الدارج ذي المعنى الواحد, فمهما اختلفت مع طريقة هؤلاء, و شعرت بأنَّها غير لائقة بحجم وقيمة ومكانة ما يتم الحديث عنه, عليك الاعتراف بأنَّ هؤلاء الشباب نجحوا في خلق حالة جديدة ونوع من الاهتمام العصري بالتاريخ وفهمه في أوساط الشباب و(الجيل الرقمي), إضافة لتقديمهم محتوى جاد ومعرفي مُفيد عبر هذه التطبيقات المليئة بالسخافات التي تُذهب العقول وتشغل النفوس وتثبط الهِمم, وتحطم العزائم, بمحتواها الفارغ من أي معنى أو محتوى بطولي أو فروسي.
(لا تاريخ بلا مصادر) مشارب التاريخ ومصادره الأصلية والأصيلة ستبقى هي أمهات الكتب والمراجع والوثائق المحفوظة, وما تحمله صدور الرجال والمؤرخين من حقائق واستشهادات مُثبتة بمرجعياتها ومدوناتها ومُراجعاتها المُحكَّمة, ولكنَّ الحالة الجديدة جديرة بالاهتمام والدعم والتطوير من قبل الكليات والمراكز البحثية والتاريخية, وهو ما أقترحه على المُهتمين والمُشتغلين في هذا التخصص, بالاستفادة من هذه النافذة الجديدة واسعة الانتشار وتهذيبها, وهذا لا يعني القفز على فكرة هؤلاء الشباب ومُصادرتها, بل بعقد شركات معهم من أجل تزويدهم بالمعلومة الموثقة والصحيحة, والأخذ بأيديهم بعيداً عن الروايات المُتناقضة والمُتضاربة والموضوعة, ومُساعدتهم باختيار المواضيع والأحداث والقصص المُناسبة, وتزويدهم بالمصادر الصحيحة, خصوصاً وأنَّ معظم من ركبوا هذه الموضة ليسوا مُختصين بالتاريخ وعلومه, لم يدرسوه أو يتعلموه, بل هي الهواية والشغف وحب الاطلاع والشهرة التي لن يستطيع أحد مُصادرتها منهم, رغم ضعف بعضهم في الاستنباط والاستشهاد والاستدلال.
التاريخ في أبسط صوره هو البحث عن الأشياء الجديرة بالذكر, وإحاطتنا بأعمال من سبقونا من الرجال وفهمها, هدفه بكل تجرُّد (معرفة الإنسان بنفسه) وتفسير كثير من الأحداث التي تروى, فمتى ما توفر المصدر والمرجع الصحيح للمعلومة (الخام), فللباحث والراوي الحق في قراءة التاريخ وتحليله من الزاوية التي يراها ويفهمها ليربط الأحداث ويُفسرها, وهو ما يضعنا أمام طريقين: إمَّا صناعة جديدة للتاريخ بأسلوب عصري شيق, أو صناعة تاريخ آخر سطحي وتوفير مصادر مشوَّهة للجيل المُقبل بفعل (زر شاشة) الرواة الجُدد.
وعلى دروب الخير نلتقي.