عبدالعزيز السماري
في ذكرى الثورة الإيرانية أكتب عن الحرية، فقد كانت أول ضحاياها، استخدمها زعماؤها المتطرفون من أجل الوصول إلى السلطة، وعندما وصلوا علقوا المشانق، وكانت الحرية أول الخونة للثورة العظمى، ثم فُتحت أبواب الجحيم في المنطقة، وعدنا إلى الوراء مئات السنين، وخسرنا في المنطقة ملايين البشر في حروب عبثية موّلتها صكوك مزيفة للجنة، وحرستها آيات شيطانية..
الحرية هي التي من خلالها تعرف الحقيقة، وليست الحرية تلك التي تأتي بالحقيقة، ثم تفرضها بالقوة، هذه العبارة تختزل تاريخ الثورات الدينية، وغيرها من الانقلابات العسكرية، فهم يدفعون بشعار الحرية، وهم يمارسون أشد أنواع الاستبداد بالمجتمع، فما حدث في تاريخ ثورات وانقلابات المنطقة يتضاد مع أبسط مفاهيم الحرية، فالحقيقة المعلبة تأتي من خلال الثورات والانقلابات، ثم تُفرض على الجميع..
يرتبط مفهوم الحرية ارتباطًا وثيقًا بأفكار المسؤولية والاستقلالية، فالحرية تعني تحمل المسؤولية الشخصية، وإنها تمنحك المسؤولية، وتعني بوضوح أنك مسؤول عن نفسك، وتملك حرية الاختيار، لكن يكون ذلك في ظل احتواء قانوني لحدود الحرية الشخصية، إذا لا يمكن أن تتجاوز حدودها لإلحاق الضرر بالآخرين..
ما حدث في إيران لم يكن ثورة بمعناها الحقيقي، لكنه كان إفرازات كبت سياسي عمره أكثر من أربعة عشر قرنًا، فخرجت الحرية المنشودة منها كائناً غريباً ومشوهاً، ويتصرف من خلال ذاكرة مشحونة بالحقد والكراهية، فهو يبحث عن الانتقام من أحفاد أولئك الذي كانوا يوماً الطغاة، ولهذا ما زال المشهد غريباً، وسيستمر ما لم يتدارك المعنيون أن الحرية المنشودة في تلك الثورة لم تكن إلا شمطاء من الماضي السحيق، غرضها الأول التفريق بين الشعوب المستقرة، من خلال الثأر والانتقام، وهو شعار ثورتهم الخارجة عن النسق الثوري في التاريخ..
الحرية ليست تجنيد الأطفال والقصر في معسكرات لقتال الشيطان، وليست تصديرًا لتلك الأفكار المريضة إلى الدول المجاورة، لعل الحرية الأكثر تغييباً في هذه الثورة هي حرية الاختيار، فالإنسان مسؤول عن اختياراته، وعن أفعاله في ظل حراسة القانون، وتعني أيضاً حرية الفرص في حياتهم العملية، وحرية التعبير ضمن حدود احترام الآخر، وحرية التعلم مهما طالت المسافة، وحرية المشاركة في فعاليات المجتمع المدني، والبحث عن حياة أفضل للجميع..
ومع ذلك ما زالوا يطلقون عليها ثورة ضد الظلم والاستبداد، بينما هي على مختلف المعايير كانت أكثر استبداداً من سابقتها، وأكثر دموية، فقد أشعلوا المنطقة من أجل أوهام الحقيقة التي أشغلت الكتب منذ وفاة الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم..
ليست هذه الحالة خاصة بالثورة الإيرانية، فالمنطقة بأسرها ما زالت تميل إلى العيش في الماضي برغم من السيل الجارف والمتجه إلى الأمام، فالأمم من مختلف أنحاء العالم تجاوزوا ماضيهم، وأصبحوا يعيشون في الحاضر وبقيمه وحقوقه الفردية والجماعية..
الإكراه كوسيلة للعيش أصبح من الماضي، ولم يعد في قواميس العصر أي شرعية له، فتقدموا أيها العرب إلى الأمام، وأتركوهم يحتفلون كل عام بذكرى أوهام الثورة، فالدموية والكراهية والانتقام هي حقيقة ثورتهم، أما الحرية فقد صلبوها في ميادين طهران في عام 1979م، وما زالت دماؤها متناثرة، ولم تجف إلى هذا اليوم.