هالة الناصر
في كثير من بلدان العالم يمثل تاريخ الرابع عشر من فبراير من كل عام مناسبة للتعبير عن الحب وتبادل الهدايا والورود والرسائل العاطفية وإظهار المشاعر والعطف والمحبة، ولكنه لدينا هو مناسبة مختلفة تمامًا، هو موسم للجدل والنقاش والاشتباك والاختلاف وتبادل الاتهامات.
الجدال والنقاش غالبًا ما يكون ظاهرة صحية، فإبداء الآراء مهما كان اختلافها ينم عن توفر مناخ لحرية الرأي والاختلاف، إلا أن صحية هذه الظاهرة مرهون بالاحترام المتبادل لآراء الآخرين، وهو ما تفتقده الكثير من النقاشات على مواقع التواصل لدينا، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقضية يراها البعض شائكة أو لها أبعادا ثقافية، ويكفي أن نطالع «الهاشتاق» الذي تصدر تويتر داخل السعودية خلال الأيام الماضية عن «الفلنتاين» لنكتشف أننا أبعد ما نكون عن الموضوعية في طرح أفكارنا ومناقشة المختلفين معنا وتبادل الآراء، فنادرًا ما تجد أحدًا من المشاركين يطرح رأيه بهدوء أو يظهر احترامًا لآراء الآخرين، أو حتى لديه رغبة صادقة في معرفة وجهة النظر الصحيحة ولديه القدرة على تقبلها، بل أغلبنا يدخل النقاش بوجهة نظر أحادية مسبقة يتمسك بها باستماتة رافضًا حتى فكرة مناقشتها أو التأكد من مدى صحتها،
الأمور أبسط كثيرًا من هذا العراك السنوي للتحدث بلا انقطاع، فالأمر يتعلق بالحب، الذي لا خلاف عليه لدى كل الأديان والأفكار والمعتقدات وأصحاب النظريات الاجتماعية والنفسية، إنه غاية عظمى نسعى جميعًا خلفها، ولكن اختلاف وسائلنا في التعبير عن الحب للآخرين لا يعني أبدا أن يكون سببًا للكراهية، حتى المدافعين عن الاحتفال بهذا اليوم أو عن فكرته يقعون في فخ مخالفة الفكرة الأساسية التي يقوم عليها الاحتفال، وهو الحب ونشره، وظني أن تعميق الخلاف ناشئ من الربط الدائم بين الحب كفكرة وبين العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، فلماذا نحصرها في هذا الحيز الضيق، إن الحب معنى وغاية أكبر من ذلك بكثير، معنى يستغرق كل مناحي الحياة وكل علاقاتنا الاجتماعية بمختلف أشكالها، من عاطفية وعائلية وصداقة وأستاذية وزمالة وعلاقات عمل وجيرة.
في كل الأحوال، ومهما كان موقفنا سواء مع أو ضد، لماذا نحصر الحب كعلاقة آثمة بين رجل وانثى، بينما بإمكاننا أن نجعله يوم حب بين زوج وزوجته، بين رجل وخطيبته، لنحاول بكل الوسائل ألا يتحول هذا اليوم إلى يوم للكراهية وتوسيع دائرة الخلافات بيننا ونحن أكثر شعوب الدنيا الذين يدفعون ثمن اختلافهم بالرأي الذي أفسد الود بل وصل إلى حد أزهاق الأرواح!
وما أقوله ينبغي ألا يفهم على أنني أدعو للاحتفال بهذا اليوم تحديدًا، فأنا أدعو فقط إلى ممارسة الحب في كل يوم دون حاجة إلى مظاهر واحتفالات، فالحب للوالدين واللأبناء والإخوان والأخوات والأقرباء والأصدقاء والزملاء، والحب أيضًا لأفراد المجتمع واجب على كل منا، ولكن حبنا والتعبير عنه لا ينبغي أن يكون كما هو في الدول التي تضع له طقوسًا ومظاهر تخالف عاداتنا وقيمنا.