عطية محمد عطية عقيلان
يقدَّر عدد مستخدمي التواصل الاجتماعي بأكثر من نصف سكان الكرة الأرضية مع تزايد يومي، فعند فتح حساب على وسائل التواصل الاجتماعي نحرص على انتقاء أرقام سرية يصعب اكتشافها، ونحاول بين الفترة والأخرى أن نغيِّرها مع إدخال البصمة إلى أجهزتنا الهاتفية لضمان أقصى درجات السرية والأمان لحساباتنا من الاختراق الإلكتروني، لنكتشف لاحقاً أنه منذ أول ضغطة زر ودخولك لوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مكشوفاً بالكامل (رغم كل الاحتياطات التي قمت بها) فتتم دراسة كل حركة وسكنة منك، ونلاحظ مع الوقت وكثرة الاستخدام أن بعض المواقع يعرفون الكثير عنك ويتنبؤون بسلوكياتك أو طباعك، فعندما تبحث عن نتيجة مباراة أو مسلسل أو خبر أو معلومة فبمجرد دخولك لها مرة أخرى تعرض لك الأشياء المشابهة لبحثك وكأنه عامل المقهى الذي تذهب إليه يومياً ومنذ سنين فمبجرد رؤيتك يعرف نوع قهوتك والحلى الذي تتناوله.
لذا استثمرت وسائل التواصل الاجتماعي في مجال الذكاء الصناعي لتطوير تواصلهم مع المستخدمين والتعرّف على سلوكهم وحاجاتهم بتحليل بياناتهم وصورهم وتعليقاتهم وربطها لمعرفة فهمها وتكوين منظومة متكاملة مع قدرتها على حل المشاكل والتنبؤ والتأثير دون تدخل بشري، وقد واجهت بعض هذه الوسائل تهماً وملاحقات قضائية في أكثر من بلد لسوء استخدام معلومات عملائها والتأثير على قراراتهم وتوجيههم وتضلليهم لاتخاذ قرارات تتناسب مع مصالحهم أو معلنيهم حتى ولو كانت التضحية بالمستخدم، (فالربح في نظرهم يبرر الوسيلة) فتم انتهاك خصوصية بياناتهم واستغلال معلوماتهم وتزويدها لأطراف أخرى للاستفادة منها، وواجهت من بعض منظمات المجتمع المدني تهماً فيما يخص نشر ما يؤثّر في سلوك المستخدمين بطريقة تعرّض سلامتهم للخطر (وقد هدّد وزير الصحة البريطاني بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي إذا لم تزل المحتوى الذي يساعد على الانتحار وإيذاء النفس بعد انتحار طفلة عمرها 14 سنة).
نؤمن أن هذه الوسائل حملت الكثير من الإيجابيات من توفير الوقت والجهد والحصول على المعلومات وتقريب البعيد وتسهيل البحث واكتشاف الخدمات ومقارنة الأسعار والوصول إلى مصادر متعددة في العلم والمعرفة مع سرعة وصول الأخبار والاختراعات والاكتشافات وتطوير الذات، وقد ارتبطنا بها بشكل يومي وتستأثر بمساحة من أوقاتنا ولكنها أضعفت تواصلنا المباشر بين الأهل والأصدقاء مع سلبياتها التي تحتاج إلى يقظة من المستخدمين، إنها تتحكم بطريقة عرض المعلومات والأخبار (نتيجة دراسات وتحليلات في كيفية التأثير في قبول أو رفض المعلومة)، وتنتهك الخصوصية وتتيح بياناتنا ومعلوماتنا لأطراف أخرى تستغلها كثيراً في التسويق بتسريبها أو أحياناً في تشويه ديننا أو أوطاننا أو عائلاتنا، وقد تتحول إلى إدمان تؤثّر في سلوكنا ومزاجنا وإنتاجيتنا وتفصلنا (إلى حد ما) عن وقاعنا.
لنحرص على الاستفادة من هذه الوسائل وأن تبقى تحت سيطرتنا وليس العكس وأن تكون عاملاً إيجابياً في حياتنا وتطوير أنفسنا وإثراء معلوماتنا وزيادة مهاراتنا وتواصلنا مع العالم (بحذر)، بدل أن تستنزف وقتنا وجهدنا بدون أي فائدة أو مساهمة أو عمل ولا بد من الاقتناع بأن هذه الوسائل تبذل كل الجهود والدراسات والأبحاث من أجل السيطرة للتأثير على سلوكنا وتصرفاتنا وعاداتنا فهي تعطيك المفتاح إلا أنها تحرص وتجتهد أن تكون هي المتحكمة في مساراتك التي تسلكها.