علي الخزيم
ليس من الحصافة أن تقرأ أو تسمع قصصاً عن لدغ الثعبان وخطره أو لسع العقارب التي تتغلغل بين الفرش والثياب، فتذيق المغدور سماً (زعافاً) لا يمهل المسموم؛ ثم بعد حين تترك الفرصة سانحة والمنافذ مشرعة والأجواء مكشوفة لكل داب وزاحف ومتسلل إلى حماك دون رقابة مشروعة، ومتابعة منضبطة، وتدقيق نظامي، وممارسة الحق بخفر الحدود وحراسة الثغور، وحماية المجتمع من تبعات سموم كل ثعبان ليِّن المَلْمَس وعقرب مُندس يخترق الجموع لينال مراده على حين غرة من الصيد المستهدف، هنا تكون الغفلة حاضرة والنباهة غائبة، وليس الرائد من يغفل عن واجبات حماية الأهل والرعية (الرائد لا يكذب أهله)!
من الأمثلة الحاضرة في الذهن الآن كبرهان على مدى الغفلة أو (التغفيل) في هذا الشأن ما يجرى في قطر الخليجية العربية من ممارسات حكام تجاوزوا حدود الأمانة ووجوب الرعاية للرعيَّة والأهل، وبدلاً من ذلكم أوقعوا الشعب القطري في حيرة من أمره، ومأزق بمعيشته، وخطر ماحق باستقراره وأمنه، وقلق مزلزل من سوء مستقبله المنتظر، يقول لكم طَرَفَة بن العبد:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
لم يُسْقِط الحكومات بل والدول سوى نماذج من الضعف والارتهان إلى أفكار وضمائر تلك الثعابين والعقارب والزواحف السامة الغادرة، المُتقربة بمسوح الناسكين الواعظين، المتباكين على مستقبل هذه البقاع الطاهرة، في حين أن بين مسوحهم وعمائمهم وطرابيشهم الحمراء الخطر العاجل الداهم الذي إن تمكن لن يرحم، وإن أحاط بالبلاد والعباد فسيجعلها - لا قدر الله - تحت (بساطير) جنود الغزاة ذليلة مقهورة، وأعجب من هذا كله أنكم حكام قطر تعون أكثر من غيركم كيف وقف أجدادكم بوجه من توالونهم وتقربونهم الآن، كانت وقفتهم صلبة، وتشهد (الوجبة) إنهم قدموا جثث الغزاة يوماً وجبة سائغة للسباع الجائعة، وطردوا فلولهم شر طردة، وطهَّروا بلادهم من شرورهم وأنقذوها من سوء نياتهم وتدابيرهم الشيطانية الاحتلالية، كما أنكم تعلمون أن المجوس الأشرار يكيدون للعرب والمسلمين شر المكائد، ويحيكون لهم أقسى نيات الغدر والخيانة منذ عصر ما قبل الإسلام، فكيف تركنون لهم الآن وتفتحون لهم البلاد من أبوابها ومنافذها كافة، بتزامن مع دخول المحتل المتربص للإحاطة بالخليج العربي بمزاعم إعادة شأن خلافته. هذا عبث لا ينم عن فكر قيادي ولا عن حنكة سياسية، بل إنها الخيانة للأهل والعشيرة بسبيل إدراك مصالح شخصية آنية يعلم الله سبحانه مآلاتها ووخامة نتائجها المستقبلية، وينصحكم طَرَفَةَ بقوله:
وإن يَقذِفوا بالقَذع عِرْضَك أسقِهمْ
بشرْبِ حياض الموت قبل التهدُّد
يرى المؤرخون أن من أبرز سقوط الدول وانهيارها تغلغل عناصر عسكرية ومنحها النفوذ وجزء من السيطرة على الشعوب بسبيل حماية النظام، فيكون هو مالك زمام الأمور بالنهاية، الخليفة العباسي جعفر المتوكل قَرَّب إليه الأتراك فزاد نفوذهم حتى استولوا على أهم المناصب وقيدوا سلطته وأسقطوا حكمه، ويحذركم طَرَفَة فيقول:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود