شهدت محافظة جدة وعلى مدى ثلاثة أيام من يوم الثلاثاء 1440/5/16 هـ الموافق 2019/1/22 م إلى يوم الخميس 1440/5/18 هـ الموافق 2019/1/24 م – شهدت – إقامة ملتقى قراءة النص الخامس عشر برعاية كريمة من مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود – وفقه الله -، وحيث طوي هذا الملتقى بمشاركتي التي كانت دراسة معجمية ببليوغرافية حول الأدباء السعوديين الحاصلين على جوائز أدبية من العام (2000م) إلى العام (2018م)، تلتها توصيات الملتقى الذي كان عنوانه: النتاج الأدبي لجيل الشباب في المملكة العربية السعودية منذ عام 2000م، وكان من واجبي العلمي والثقافي والوطني أن أسجِّل بعض الوقفات والإشارات في هذا الملتقى الأدبي الثقافي النوعي الثري، ومن أبرزها:
ما لحظتُه في هذا الملتقى من نهمٍ كبيرٍ لدى المثقفين والمهتمين، ورغبة كبيرة لديهم جميعًا في التواصل الثقافي، والتلاقي العلمي الذي أثبت حضور الثقافة في الساحة المجتمعية والحياة المعرفية في وطننا، ومن مشاهد هذا ما ذكره لي أحد الحاضرين في اليوم الأول من الملتقى من أنه قدم من المدينة المنورة على سيارته الخاصة، وتكبده عناء السفر، ومسابقته للزمن؛ حتى يحظى بحضور الملتقى من أولى جلساته، وهناك مشاهد أخرى سجَّلها المشاركون من خلال أوراقهم العلميَّة الرصينة التي أثرت المشهد الأدبي الثقافي، وحاولت تغذية عطاء الشباب بتوجيهات نقدية قيِّمة، وكذلك ما سجَّله الحضور والضيوف في النقاشات والمداخلات المثمرة في جوٍّ ثقافي علمي نموذجي، وهذا يؤكد على العمل الكبير الذي يلزم أن تنهض به وزارة الثقافة وترعاه فتستثمر هذه الطاقات الأدبيَّة الثقافيَّة، والكفاءات الإداريَّة العالية، والحركة الثقافيَّة المتوهجة التي تنمو وتزدهر في وطننا المتجدد المملكة العربية السعودية.
إنَّ الفرصة الآن سانحة أكثر من أي وقت مضى، وفي وقت لا يقبل التأجيل أن تقترب وزارة الثقافة أكثر من هؤلاء المثقفين الناشطين في الحركة الثقافية ومعهم المبدعون الذين ظهر فيهم صوت الشباب من الجنسين؛ حيث الطاقة المتدفقة المتجددة مستعينين بالوسائط الرقمية والوسائل الإلكترونية المعينة على نشر إبداعهم وفنِّهم المؤهَّل للوصول إلى العالميَّة، وتسير في فلك تطلعاتهم، وترعى نتاجهم الأدبيّ، وتحرص على تلاقي الجهود الثقافيَّة مهما تفرَّعت وتنوَّعت.
كما كشف لنا هذا الملتقى عن جماليَّة رجال الأعمال والمال حين يهبون وطنهم ما يستحقه ضمن خدماتهم المجتمعيَّة التي لم تسجِّل أكثر مؤسساتنا في القطاع الخاص اسمها في هذا المجال بشكل ملحوظ، وبخاصة في المدن الكبرى التي تتركز فيها أكثر الشركات والمؤسسات غير الحكوميَّة.
لقد عرفنا عن قرب أثر الداعمين من ذوي القطاع الخاص في الجانب الأدبي الثقافي، وكذلك جانب الفنون والثقافة، وهو ما سجَّله رئيس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا سعادة الدكتور عبدالله صادق دحلان أمين غرفة جدة الأسبق حين أعلن عن مبادراته في هذا الجانب، ودعوته رجال الأعمال والمال في منافسته في هذه المبادرة؛ حيث أعلن عن دعم الأدب والثقافة في النادي الأدبي الثقافي بجدة ودعمهما ومساندتهما في كل الأندية الأدبية في المملكة، وأعلن عن رعاية هذا الملتقى لمدة خمسة عشر عامًا قادمة، كما أعلن عن تسمية إحدى قاعات الجامعة باسم النادي الأدبي الثقافي بجدة، وقاعة أخرى باسم جمعية الثقافة والفنون، وهذا الدعم السخي غيض من فيض دعم رجال الأعمال للثقافة في جدة؛ حيث سبق ذلك دعم سخي من آل الشربتلي تمثَّل في إنشاء القاعة الكبرى الرئيسة في نادي جدة، وقد لقي هذا العمل ثناء وتنويه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، فقال: «إنهم قدَّموا نموذجًا للمواطن الصالح الذي يسعى لخدمة دينه ووطنه ويساهم في تنشيط الحركة الفكرية والثقافية في هذه المنطقة، ونحن أحوج ما نكون إلى مثل هذا التوجه وإلى أمثال هؤلاء الرجال». انتهى كلام سموه.
وهنا أكرِّر ما ذكره سمو الأمير خالد الفيصل – وفقه الله –: نحن أحوج ما نكون إلى مثل هذا الدعم السخي في كافة مدننا الغالية، وأخص بذلك مدينة الرياض، وهي العاصمة التي لم نلمس الدعم الكافي من رجالات القطاع الخاص والشركات والمؤسسات للحركة الثقافية في هذه المنطقة الكبرى التي تجري فيها فعاليات ومناسبات ثقافية كثيرة دون دعم يُذكر، فهذه رسالة مهمة إلى التجَّار ورجال المال والأعمال ورؤساء مجالس الشركات الكبرى جميعًا؛ خدمةً لدينهم ووطنهم عبر الإسهام في دعم الحركة الفكرية الثقافية ونشر المعرفة البناءة عبر ما يُفتَرض أن تخصصه للأعمال الاجتماعية.
وخير مثال على فاعلية الدعم ما ظهر به ملتقى قراءة النص الخامس عشر بجدة من تميز وتألُّق؛ حيث اجتمعت له عوامل الثراء النوعي، وهي مشاركة النخبة من الأد باء والمثقفين من الجنسين من مختلف مناطق المملكة، وتناوله النتاج الأدبي للشباب الذين يعوَّل عليهم كثيرًا في بناء الوطن وتحقيق رؤيته 2030 ، وكذلك جودة تنظيمه والاستعداد الجيِّد له وحسن إدارته.
أخيرًا: يثبت النادي الأدبي الثقافي بجدة قدمه الراسخة وكفاءته العالية في تنظيم الملتقيات الكبرى، ذات التاريخ العريق والوهج الممتد الواسع؛ حيث امتد هذا الملتقى الأدبي الثقافي على مدى ثلاثة أيام، تخللها ست جلسات وإحدى وثلاثون ورقة علميَّة مشارِكة، فضلا عن عدد الضيوف الكبير الذين حضروا هذا الملتقى، وكان أداء التنظيم متميِّزًا إلى آخر جلسة من جلسات الملتقى وتلاوة التوصيات. فالشكر أجمله وأجزله لسعادة رئيس النادي أد. عبدالله السلمي ولسعادة أمين اللجنة العلمية أد. عبدالرحمن السلمي، ولكافة طواقم العمل المشاركين في التنظيم.
** **
د. محمد بن أحمد الخضير - أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود
maakdir@gmail.cm