الثقافية - محمد هليل الرويلي:
ما زال القاص المهتم في أدب الطفل الكاتب «إبراهيم شيخ مغفوري», ينطلق من الأبعاد الوجدانية نفسها التي عاشها, مشكلة لديه خارطة الوعي الأولية وبوصلة الجهات لمسيرة طفولته. إذ ما زال يكتب لذلك الطفل ناسجًا من مفاهيمه الثقافية التماس مع الأبعاد التربوية في إصداراته ما يكفل لمشروعه الإبداعي الذي سخره لصالح الطفولة الدوام. من أول إصدار سنة 1999م, بعنوان «عبدالكريم والسلطان», دون أن ينصرف كثيراً بالقارئ للعودة لأبجديات الطفولة، بنسق خاص متوازن المضامين ذي دلالات تجتمع فيه الدهشة والمتعة بكل توجهاته ومراحله العمرية.
«مغفوري» الذي كتب قصته الأولى في سن السابعة عشرة من عمره, كشف لـ»الثقافية» أنه خرج للحياة فوجد نفسه رحالاً يطرد ظعن إبل والده في (خبت الجنية) بقرية (الكربوس) حيث ما وجد الكلأ والماء «للذود» على رؤوس الشعاب وعند بطون الأودية بمنطقة جازان.
في المدرسة تعلمت من هذه القصص
وقال: وبعد هذه السنوات الأولية التي خضبت أجنة الذواكر الغرة. من فضاءات كنت أظنها واسعة جدًا ومحملة, التحقتُ بالمدرسة. وهناك حملتني سور القرآن الكريم وآياته لقصص أقوام وأقوام ساقهم الله في وحي كتابه المقدس المنزل على نبيه الصادق الأمين محمد, من هذه الإيضاحات في القصص التي نستمع إليها في حجرات الدرس وترسخ عبرة في النفس صاغها القرآن الكريم على شكل قصص من أحوال الماضين عبر القرون والأجيال. ويظهر جزء من ذلك الإيضاح من فوائد القصص المنزلة في هذا الكتاب المقدس في قوله تعالى :{كُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، وقول الحق تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}. كذلك كانت لسيرة نبينا المصطفى محمد وأحاديثه الشريفة خلال رسالته العالمية بالغ التأثير, كما لا يمكني بعد ذلك أن أغفل عن تجربة ما كتبه المبدعون من قبلي وأحدثوا تأثيرًا في صقل تجربتي ورفدوها كتجربة الأديبين الراحلين عبدالكريم الجهيمان ونجيب الكيلاني وغيرهما الكثير من الكتاب ممن لا يتسع المجال لذكرهم.. كما أنه على المرء أن يحفز نفسه منذ الصغر على هواية القراءة, إذا ما أراد أن يجد نفسه كاتبًا ذا مشروع هادف. أقول لمن يهوى كتابة القصة والقصة بذاتها اصقل موهبتك بالقراءة والقراءة والقراءة ولا تستعجل. وجرب قلمك وورقتك.
الأطفال يتسربون لعالمها قافزين
وأضاف: هذا هو عالمي الصغير «قصص الأطفال» المحببة لنفسي، استهوتني قراءة, ثم استهوتني كتابة, فكتبت في مجالها وقضاياها لأصدقائي وأحبابي الأطفال. وكلي أمل أن يجدوا في ثنايا إصداراتي لهم سراجًا ينير دروبهم. قصص الأطفال بالنسبة لي متنفس حياة لمسيرة الصغار العطرة. أرى فيها السراج المنير, والطريق الذي تنقشع من حوله كل جحافل الظلام للقارئ الصغير. ويرى عبرها ما لم يره، ويعيش خياله الواسع الرحيب كأنه يجري ويقفز ويمشي وسط هذه العوالم والأزمنة. صحيح أنه لم يرها - قبل ذلك - ولم يشارك أهلها الواقع المعيشي, لكنه يشعر كأنه تسرب من غلاف الإصدار وكأن هذه الصُّور صُوره والقصّة قصته.
وشدد على أهمية أن يسلك الكاتب في قصصه لغة خيالية واسعة. واصفًا الخيال «بمطية» المبدع نحو آفاق جميلة مبتكرة, متى ما استطاع المبدع التعامل مع الخيال بفن وحرفنة وصل إلى مبتغاه من أقصر الطرق. فالمبدع يخالج ذهنه «إلهام القصة» فينتظر حتى تكتمل في مخيلته والخيال يكمل له ما يجعل القصة تبدو بلونها الزاهي ورونقها الجميل، هذا الخيال يخلق في ذهن المبدع عوالم جميلة تكون لفنه كبساط الريح تحمله من مكان إلى أي مكان. إذًا الخيال جمال وبهاء لفن المبدع وليس قصورًا أو عيبًا. كما أنه ليس عيبًا حين نجد مبدعًا يكتب الشعر والقصة والرواية أو يكتب أحدهما معًا. لكن حتمًا لن يخلص لها مجتمعة كما يكتب للقصة المخلص للقصة وحدها. هنا التخصص مطلوب, وهذا ما أراه نافعًا «فصاحب السبع صنائع لا يجيد منها شيئًا».
«المفتشون الصيادون» سبب تدهور العصر!
وحمل مغفوري النقاد تردي مستوى الأدب سواء في المشهد الثقافي المحلي أو العربي عمومًا. واصفًا إياهم «بمفتشي» هذا العصر و»صيَّادي» الأخطاء. مبينًا أنه لو جعل الناقد نفسه مكان المبدع, أو تعامل معه من مبدأ «الأخذ باليد» ناشد الأحسن، لخرج لنا أدبًا جميلًا يروي ظمأ العطشى. كما أنه من الأجدى لهذا المشهد الأدبي بدلاً من أن يطيل الوقوف في تبادل التهم بين النقاد والمبدعين, أن يشتغل كل واحد منهم على مشروعه. وعلى المبدع نفسه أن يطور أدواته دون أن ينتظر «ناقدًا طيبًا» يعَبِّد له طريقًا يصوغه حسب رؤيته أو منظورة النقدي. عليه أن يوجد لمشواره ذلك الطريق ويعَبِّده بنفسه, ويصنع حوله من أدوات النقاد, أداة لكل طرقه الإبداعية. ما يعتد بها ويتدرع فيها, للمضي قدمًا بثقة تامة. كشعور قائد جند عاد منتصرًا لتوِّه من أرض معركة, ودخل المدينة رافعًا صدره, ورأسه للأعلى, يمر بين الصفوف والصفوف, وهي تهتف وتصفق لمشروعه فينتشي بلا حدود تحد من اعتزازه بمنجزه العظيم. ذاك هو المبدع عليه أن لا يقع بشراك كائن من كان, أو أن يفكر بنحر مشروعه تحت مدية شطيرة يسيل حبرها المفزع، نصبها أحدهم للمارة الذين يكره واحدًا منهم, وفصلها على شكل مقصلة نقدية, للإطاحة باليائسين أو المهزومين في المشهد. على المبدع نفسه أن يحمل فناراته بيديه ويمضي للعناية بحقله وحراسته, وتزيينه وتوسيعه. فلا الناقد «فزاعة الحقل» التي ستتسبب في طرده من الولوج في الحقول الأدبية والبساتين الثقافية, ولا الأبواب قليلة أو ضيقة. فأبواب الشعر وسيعة في كل المناحي, وأبواب القصة رحيبة بشتى الميادين, وأبواب الرواية لا يكاد تُرى حدود مصراعيها وعراها.. إذًا الميدان يتسع للجميع, ولا أجمل من أن يظل المبدعون يحرسون حقولهم ليلاً ويعتنون بها طوال يومهم, من فجرهم لفجرهم القادم. من لحظة إلقائهم للبذور التي حملوها في «خراجِهم» وصانوها ومضوا وهم مؤمنون بأنها ستنمو معهم في الحياة, بشكلها الصحيح, واتجاهها الصحيح. كما سيكتشفون حينها أن لا «خيال المآتة» ولا صيادي الأخطاء ثنوهم قبل حصاد سنبلهم من مستغلاتهم, حين يعصرون للقارئ ما حصدوه من فنون جميلة حوتها حقولهم الإبداعية, واستطاب المتذوقون من مستطعم شهدهم. لذا نصيحتي للمبدعين أن لا ينشغلوا بشيء أكثر من مشروع القراءة, فالطريق التي يسلكونها يزداد الضوء فيها بالقراءة بالقراءة.
الرياح الهوجاء لا تصنع الفن
مؤكدًا أن الصدفة لا تصنع مبدعًا والرياح الهوجاء لا تحمل فنًا جميلاً يطرب النفس ويمتعها، ما لم توجد القراءة بتمعن والموهبة في فن معين، وهذا ما يصوغ التجربة الإبداعية الناضجة، وليس الجوائز الممنوحة هنا وهناك ما يصنع ذلك. غير أن هذه الجوائز التي تمنحها الأندية الأدبية أو الجهات العربية الراعية والمانحة تعد معززًا ومجددًا لروافد دافعية الكاتب الداخلية، ووقودًا فعالاً يشعل الكاتب ليحلق بالقارئ في آفاق جميلة. وقد استمعت لحديث أديب كبير في السِّن في مناسبة كُرِّم فيها فبدى مغتبطًا بنفسه لم يكبت شعوره بالسرور قالها بإحساس نابع من الداخل: إنهم أعادوا لديّ رغبة الكتابة بعدما أصبحت عندي شبه نائمة.
لم أتلق أي دعوة لمعارض الكتاب!
وبين «مغفوري» في معرض تجربته الشخصية مع كتابة القصة: أنه يعيش لحظات حرجة بمجرد حضورها في باله حتى تحين ساعة ولادتها ذهنيًا, واستجلاب مسودتها بورقة تتعرض للإتلاف مرة أو مرات, إلى أن يصل إلى ما يرضي ذائقته. ليشعر بالراحة بعد أن تكون القصة قد وصلت إلى حيز الوجود, بعد مراجعات عدة واستشارات ومخاطبات بينه وبين المبدعين ودور النشر والأندية الأدبية، وبعد أن ظل متابعًا لها حتى تكونت على شكل كتاب وصل إلى يده ومن بعدها ليد القراء, متطلعًا للالتقاء بأحدهم في معارض الكتاب التي حالت ظروفه السابقة دون الوقوف عليها, نافيًا تلقيه أي دعوة شخصية ضمن ضيوف المعرض طوال مسيرته السابقة.
«الثقافية» تتمنى مزيدًا من الألق للقاص المهتم في أدب الطفل الذي حظي خلال مسيرته السابقة بتكريم تاريخي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في الجنادرية عام 1428, كما كرم من نادي الباحة الأدبي. بلغت إصداراته المطبوعة 46 كتابًا في أدب الأطفال كان آخرها «ماجد وأصدقاؤه, هيثم والضبعة»، عن دار السكرية بمصر. يعكف حاليًا على صف عدد من المجاميع القصصية في دار محراب العرب ونادي جازان الأدبي والمدينة المنورة.