اكتسبت ماءة البعوضة أهميتها من ورودها في شعر العرب حيث ذكر متمم بن نويرة البعوضة فقال:
على مثل أصحاب البعوضة فأخمشي
لك الويل حر الوجه أو يبكي من يبكي
وذكرها الله تعالى في كتابه حين قال في سورة البقرة (آية 26) {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ.. الآية}، وهناك غرض آخر من هذا المقال ألا وهو فك التباس حاصل في موقع المروت حيث كان يعتقد أن المروت هو فقط المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الوشم والشرق من القويعية ونفود السر وقد وصل هذا اللبس حتى إلى الهمداني في كتابه: (صفة جزيرة العرب) حيث يشير فيها إلى المروت مقصورًا على المنطقة التي ذكرناها أخيرًا (جنوب الوشم شرق نفود السر والقويعية). وسنعطي هذا الأمر - لأهميته- أولوية في حديثنا عن هذه الماءة.
المروت:
قال أبو عبيد:
إذا قطعن حائلاً والمروت
فأبعد الله السويق الملتوت
المروت من المرت وهو الذي لا ينبت الشجر، وقد قال نصر الإسكندري في كتابه الأمكنة والمياه والجبال والآثار ج 2 ص 92.
(المروت من ديار ملوك غسان بالشام وقرب النباج من ديار تميم). وقد علق الشيخ حمد الجاسر في الصفحة التي تليها كما يلي:
(والمروت لا يزال معروفًا باسمه وهو أرض واسعة تقع في جنوب الوشم وشرق عرض شمام القويعية...).
وحيث إن الكلام ها هنا في هذا المقال ليس عن نفس المروت وإنما جاء تبعًا فسنضطر لتأجيل مناقشة الالتباس في أمر المروت إلى مقال لاحق - إن شاء الله - والآن سنلج في صلب موضوعنا وهو ماءة البعوضة.
يقول كذلك موضع أرمي الكلبة الذي قال فيه نصر ج 1 ص 80 إرمي الكلبة رمل قرب النباج وعلق الأستاذ حمد الجاسر على كلام البكري في معجم مستعجم بنقله عن عمارة بن عقيل المروت والحفر منازل التيم من بني تميم بالمروت أدركت بنو تميم بني قشير فقتلوا رئيسهم بحير بن عبد الله... فهو يوم المروت... ويقول الشيخ حمد تعليقًا على هذا الكلام هنا إشكال فالبكري نقل عن عمارة بن عقيل حفيد الشاعر جرير وحسبك به معرفة بالمواضع في بلاد قومه أن الوقعة التي قتل فيها بحير بن عبدالله القشيري جرت في المروت والمروت بعيد عن (النباج) (الأسياح).
وهذا يعني حدوث التباس أيضًا حتى عند الشيخ حمد الجاسر في هذا الموضوع وحتى الأستاذ محمد بن ناصر العبودي حفظه الله وقع في ذلك.
إذًا وقع في المروت يوم المروت ويسمى أيضًا إرمي الكلبة التي حددت في مقال سابق أنها (السُمر) إلى الجنوب الشرقي من بلدة (البرقا) ولكن لا بد من التنبيه أن المروت ممتد ولعله من المروت الذي في الجنوب المحاذي لنفود جراد (السر) وليس محصورًا في منطقة إرمي الكلبة (السُمر) فليعلم.
والآن بعد هذه المقدمة بين يدي موضوعنا التي شملت حل إشكال والتباس المروت وحصره في مكان واحد ننتقل إلى بعوضتنا التي قال فيها ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) ج 1 ص 455:
(بالفتح بلفظ واحدة البعوض بالضاد المعجمة: ماءة لبني أسد بنجد قريبة القعر قال الأزهري: البعوضة ماءة معروفة بالبادية قال ابن معقل:
أإحدى بني عبس ذكرت ودونها
سنيح ومن رمض البعوض منكب
وبهذا المنزل كان مقتل مالك بن نويرة).
وقال أبو على الهجري في نقل عن كتاب أبحاثه في تحديد المواضع للشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - ص 281: (وماءة البعوضة وقد ذكر متمم ابن نويرة البعوضة فقال على مثل أصحاب البعوضة فأخمشي لكي الويل حر الوجه أو يبكي من يبكي).
(وسكة البعوضة معروفة وهي بين النجفة بنجفة المروت وبين رملة جراد ينزلها نفر من بني طهية، وأسفل من ذلك قاعوا بولان وهو قاع صفصف مرت لا يوجد فيه أثر أبدًا ذكر ذلك أبو محلم).
إذًا تقع هذه الماءة بين جراد (نفود السر) (نفود الربيعية) ونجفة المروت وقاع بولان سبق لي تحديده في مقال سابق أنه قاع بندر وليعذرني القارئ فقد حدث سهو وذكرت خطًا أنه قاع ماجد.
وأقرب ما لهذا القاع الذي اخترناه من (نفود جراد) الذي هو في تلك المنطقة يسمى (نفود الربيعية) أما نجفة المروت فقد قال الزنجاني في كتاب تهذيب الصحاح ص 556: (النجف والنجفة بالتحريك مكان لا يعلوه الماء مستطيل والجمع نجاف..) وهذا التعريف ينطبق على صفراء الربيعية فهي مرتفعة وقرب النفود والمسافة بينهما صغيرة بحيث يمكن أن تسمى سكة.
والأوصاف السابقة تنطبق بقوة على بئر الركية في وادي الركية شمال الربيعية بالقرب من النبقية ومن ذلك قرب الماء الذي ذكره ياقوت في نصه حيث وقفت على ذلك بنفسي فهي قريبة الماء جدًا أقل من مترين.
** **
- عبدالله بن عبدالرحمن الضراب