محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت بالدكتورة ثريا عبيد عندما بدأ الإعلام يردد اسمها منذ أربعين عاماً كمسؤولة بارزة بمنظمة الأمم المتحدة، وإعجابي بها لأنها مواطنة سعودية استمراراً لإعجابي بوالدها، السيد أحمد عبيد الذي اشتهر صحفياً بارزاً وداعياً للعدالة والتنمية والوحدة، أكثر من اهتمامه بعمله الرسمي مسؤولاً مالياً وجمركياً، وقبلها عمله مديراً للاسلكي في الطائف والرياض والأحساء.. وبرز وعُرف أكثر بصفته الصحفية عندما أصدر مجلة (الرياض) بجدة عام 1953م وبعد توقفها أصدر مجلة (صرخة العرب) بالقاهرة عام 1995.. وكتب في الندوة والبلاد وغيرها تحت عنوان: (رأي الشعب).
أما ابنته الدكتورة ثريا -وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2010-؛ فقد ولدت في بغداد بالعراق 1364 هـ الموافق لعام 1945م، لكون والدتها في زيارة لشقيقها درويش الخطيب الذي يعمل تاجراً بين المدينة المنورة وبغداد وكان وقتها مقيماً ببغداد مع والدته.
ألحقها والدها عام 1951م بالقسم الداخلي في الكلية الأمريكية للبنات بالقاهرة، وأنهت هناك تعليمها الابتدائي والمتوسط والثانوي، فحصلت على المنحة الدراسية من الحكومة السعودية في السنة الأولى في التعليم الجامعي عام 1962-1963، واستمرت المنحة حتى نالت الدكتوراه عام 1974، وذلك رغم أن المنح الدراسية كانت محصورة على الطلاب فقط في ذلك الوقت، وكانت بهذا أول فتاة سعودية تحصل على منحة دراسية في أمريكا، حصلت على الشهادة الجامعية الأولى في كلية ميلز، وهذه الكلية للفتيات في أوكلاند، كاليفورنيا عام 1966، ثم أكملت مسيرتها التعليمية حتى حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي كتخصص أساسي، والإنتربولوجيا الثقافية كتخصص فرعي من جامعة وين في ديترويت، ميشيغن عام 1974.
عينت عام 1975 بالأمم المتحدة مسؤولة لبرنامج المرأة والتنمية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الأسكوا في بيروت حتى عام 1982، وعاشت تلك الفترة أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، بعدها انتقلت (الأسكوا) إلى بغداد ومعها الدكتورة ثريا عبيد وأسرتها الصغيرة حتى بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990م.
عادت إلى المملكة لتكون إلى جانب والدها الذي تقدم بالعمر، ولتحقق أملها في أن تكون معه في ما تبقى من العمر. بحثت عن عمل في المملكة ولم توفق لأن مؤهلاتها أعلى مما يشترط. بعد بقائها إلى جانب والدها سنة ونصف، أصر والدها على رجوعها لعملها، واضطرت للرجوع لمنصبها في الأمم المتحدة، وكانت الأسكوا قد انتقلت من العراق إلى الأردن، فأصبحت رئيسة شعبة التنمية الاجتماعية للسكان للأسكوا من عام 1992 حتى عام 1993، ثم عينت نائب الأمين العام التنفيذي للأسكوا حتى عام 1998، وانتقلت بعد ذلك إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان في نيويورك، وبقيت فيها حتى عام 2000 مديرة لشعبة الدول العربية وأوربا.
رشحتها المملكة لمنصب وكيل الأمين العام والمدير التنفيذي لصندوق الأمم للسكان، وهو منصب قيادي في الأمم المتحدة، واختيرت من بين خمسة مرشحين، واختارها الأمين العام كوفي عنان بعد أن قابل كل المرشحين، مقابلات شخصية، ناقش خطط عملهم المقترحة، وبعد توصية من لجنة متخصصة، واستمرت في هذا المنصب من عام 2000 وحتى الآن 2010 (بتصرف من سيرتها الذاتية التي قدم بها حفل تكريمها في إثنينية عبدالمقصود خوجة بجدة في 23-5-1430هـ - 18-5-2009م).
وثريا أحمد عبيد لديها ابنتان كلتاهما تعيشان في بريطانيا، الدكتورة: راوية حسن الشريف، وهي متخصصة في الكلى، والمعمارية: ريم حسن الشريف، وهي تدرس فن العمارة في إحدى جامعات لندن.. وقالت الدكتورة ثريا عن آمالها وطموحاتها الشخصية: (.. فأتمنى خلال الفترة الباقية من عملي الحالي أن أحقق تقارباً فكرياً ووجدانياً بين الحضارات والثقافات، وأرسخ جو التفاهم والتعاون بين الدول والأمم من أجل تقدم الإنسان وتحقيق حقه في حياة خالية من العوز وخالية من الخوف).
وقال الأستاذ عبدالمقصود خوجة في تقديمها: ((.... إن علاقة ضيفتنا الكريمة بما تقوم به تجاه الإنسانية لا يقتصر على الدور الإداري والتنسيق الذي تمليه مهام منصبها الرفيع، بل تسهم بقلمها وفكرها في إثراء الجانب الثقافي والعلمي المتعلق بواجباتها الجسمية، فتراها في جهات المعمورة محاضرة، ومشاركة في المؤتمرات والندوات، وكاتبة في كبريات الصحف بشفافية، وجرأة، بصدق التوجه، وخالص النية، لما فيه خير البشرية.
شأنها شأن الكبار، وحال من يتصدى للعمل العام، نتفق ونختلف معها، لكنها تبقى صفحة ناصعة في تاريخ المرأة السعودية التي بدأت جهودها التعليمية والعملية من نقطة الصفر، وتوجتها بتسلم واحدة من أهم وكالات الأمم المتحدة.. صحيح أن تلقيها العلم خارج الوطن أتاح لها ما لم يكن متاحاً لكثيرات من بنات الوطن، إلا أن تمسكها بثوابت هذا الكيان الحبيب، لم يفصم عراها عن ينابيع الأصالة والمعاصرة التي تتصف بها رائدات جليلات قدمن الكثير لمسيرة العلم والعمل في بلادنا...)).
وقالت الدكتورة ثريا عن سبب انتقالها لمنصب نائب الأمين العام والمدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان: ((... ولكن أردت في دخولي هذا الصندوق أن أدخل البعد الثقافي والقيمي لقضية السكان، وأصبح ولله الحمد لدينا برنامج حول الثقافة ودور الثقافة المحلية في قضايا التنمية وأصبح فعالاً، والحمدلله يستمر البرنامج، وأدخلنا عقلانية إلى هذا البرنامج، وحصلنا على ثقة الدول التي تشعر أننا نحترم الثقافة ونحترم القيم الروحية والدينية ونعمل من أجلها...)).
• وفي كتاب (نساء من المملكة العربية السعودية) لعلي فقندش ووديان قطان ورد: ((... ركزت خلال عملها في الأمم المتحدة على مساعدة بعض الحكومات على تأسيس برامج لها لتقوية دور المرأة الاقتصادي والاجتماعي وقدمت لها مساعدات فنية لتحقيق دور أكثر عدالة للمرأة.
عندما التحقت بالأمم المتحدة عام 1975م أنشأت أول برنامج للتنمية من أجل المرأة في منطقة غرب آسيا وقدمت الكثير من المساعدات الفنية لحكومات دول المنطقة لدعم دور المرأة.. وأسهمت بفعالية في بناء شراكة بين الأمم المتحدة وبين بعض المنظمات غير الحكومية لتعزيز الدور الاجتماعي للمرأة...)).
• وكتبت عنها (زيغريد ديتلوف وروناته بيرنهارد): ((... لا تبدو ثريا عبيد مثل امرأة مكافحة، إنها تبدو حميمة منفتحة إلى حد ما (أمومية)، إلا أن الرئيس الأمريكي بوش وإدارته تعرفوا على المكافحة، فحين شطب بوش ببساطة الدفعة الأمريكية إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان والتي كانت قد جرت الموافقة عليها، واجهته ثريا عبيد بكلمات واضحة: (( بهذا الـ 34 مليون دولار يمكن منع وقوع مليوني حالة حمل غير مرغوب فيه و77.000 من الوفيات بين الأطفال الرضع. سيموت نساء وأطفال بسبب هذا القرار أيها الرئيس..)). إلا أن بوش رضخ لضغط الدوائر المحافظة، ترى ثريا عبيد أنه قد تمت مناقشة كل ما هو ضروري كي تستطيع النساء وعوائلهن وأطفالهن العيش حياة تليق بالإنسان قد نوقش بصورة كافية في مؤتمرات مختلفة...)).
• أجرت جريدة الشرق الأوسط حواراً معها في العدد 11.136 ليوم الاثنين 25-5-2009م قالت في تقديمها: (( من خلال عملها لأكثر من ثلاثة عقود في الأمم المتحدة استطاعت الدكتورة ثريا أحمد عبيد، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن تكون أول سعودية وعربية تتبوأ منصباً هاماً وبارزاً في المنظمة الدولية، وهو المنصب الذي شغلته عبيد بكفاءة وتفانٍ.. أشار إليه الأمين العام السابق كوفي أنان باعتباره السبب الذي جعلها أقدر الأشخاص على تولي المنصب...)).
وقالت في عناوين رئيسة المقابلة: ((... «خفض نسب الفقر والبطالة ووفيات المرأة قد لا يكون أمراً سهلاً نظراً للمستجدات».. «مشكلة المجتمعات العربية عدم مواجهة مشكلاتها وتعليقها على شماعة العادات والتقاليد».. «الأزمة المالية العالمية وإنفلونزا الخنازير يفشلان خطط الدول في تحقيق أهداف الألفية».. «دعم دول الخليج لصناديق الأمم المتحدة أقل من المطلوب.. وتقويته يدعم موقعها السياسي».. «النساء يستأثرن بمقاعد السعودية في المنظمة.. وتمثيلهن مُرضٍ».. «النفوذ الأمريكي في الأمم المتحدة فعّال في مجلس الأمن فقط.. ودور الصناديق الإنمائية إنساني وبعيد عن الضغوطات»..)).
واختتمت المقابلة بـ: ((... كلمتي الأخيرة هي أن الأمم المتحدة من الناحية السياسية هي نتاج المفاوضات والعلاقات السياسية بين الدول سواء كانت كبرى أم صغرى، وهذا يتطلب ما أسميه (الشطارة) الخاصة من الدول العربية ليكون لها موقع يمكنها من أن تؤثر على مجريات الأمور وهو ليس بالضرورة الواقع الحالي.
أما من النواحي الاجتماعية والتربوية فيمكنني القول بكل صراحة وثقة، بأننا في الأمم المتحدة نخدم إنسانياً في مواقع كثيرة ونخدم الفئات الأقل حظاً في المجتمعات، والدول الأقل حظاً في العالم.. وأشير إلى نقطة مهمة وهي أن وجود دولنا من خلال مساهمتها المالية في الصناديق وخاصة دول الخليج ضعيفة جداً.. ونحن عندما نقول بأن بعض الدول الغنية الأخرى تؤثر كثيراً، فذلك يعود إلى أن دعمها المالي كبير، بعكسنا.. وقد تكون العلاقات الثنائية قوية جداً، وعلى أساسها تدعم الدول الخليجية دولاً أخرى بمبالغ هائلة، لكن وجودها ضمن الصناديق ضعيف جداً.. فلماذا لا يتم ذلك ضمن صناديق الأمم المتحدة، لأن هذا يقوي مواقعها ضمن المنظمة العالمية؛ وما زلت أتمنى أن يكون دعم دول الخليج أكبر ضمن صناديق الأمم المتحدة)).
• وضمن زاوية (صورة شخصية) خصصت مجلة (القافلة) في عدد يناير وفبراير 2010م الحديث عن (( ثريا عبيد من الكُتَّاب في مكة المكرمة إلى الأمم المتحدة.. اختيرت في كتاب (مسلمون مرموقون) ضمن قائمة المئة مسلم الأكثر تأثيراً في عالمنا اليوم، إنها الدكتورة ثريا عبيد التي تشغل اليوم منصب المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان..)). وأختتم الحديث بـ(تقدير عالمي لجهودها): ((نالت الدكتورة ثريا عبيد وسام ديونيسيو دي هيرار لخدمة البشرية) لمساندتها برنامج دمج مواد دراسية حول حماية النساء ضحايا العنف العائلي في مناهج التدريس في أكاديمية الشرطة في هندوراس عام 2005م، ولأنها كانت امرأة مكافحة استطاعت تخطي جميع العوائق الاجتماعية؛ أدرج اسمها ضمن اختيارات مجلة (فوريس)، لأقوى 50 امرأة عربية.. كما نالت شهادة الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة كوانساي غاكوين كوبي، اليابان، تقديراً لإسهاماتها في النهوض بالثقافة، عام 2004م، وشهادة الدكتوراه الفخرية في القانون من كلية ميلز، أوكلاند كاليفورنيا، تقديراً لالتزامها بخدمة الناس في البلدان النامية..)).
وبعد تقاعدها من العمل استقرت بالمملكة، وكرمتها الدولة باختيارها مع أول كوكبة نسائية تنظم لمجلس الشورى من عام 1433-1437هـ (2012-2016م) كما كرمت بمنحها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) شخصية العام 1434هـ - 2013م.