12 - ذكر المؤلف في تضاعيف كتابه المثل المعروف (لو التمر عند البدو ما باعوه)
تأملت في حال العرب في جاهليتهم وإسلامهم حول النخيل وزراعتها، فوجدت الأعراب في الجاهلية يستنكفون من زراعة النخيل، فمنهم قوم من خلص شعراء البدو، أفنوا أعمارهم في ذكر الرسوم الطاسمة، والبكاء على الأطلال الطامسة، وحبس الصحب عليها، ووصف الفلوات والمهامه والقطا والرمال والآرام والظباء والمها والنعام، والليل والسرى، والظلام، وطيف الخيال، والبرق، وكلال الناقة، ووهج السمائم بالهواجر في البيد التنائف، ووصف حمر الوحش، وورودها على الماء الآسن، عند جنوح الثريا في المغارب، بعد أن جزأت بالروض حتى آنفها السفا، وصوحت البقول من حولها، وهاجتها الهيف اليمانية، فيفجؤها قانص رث الأطمار، فتزل سهامه، فترتمي في سواد الليل كلمح الطرف.
وهذا ظاهر في أشعارهم، فهذا غيلان الذي يعد من أبرز شعراء البدو المجيدين، المعتزين ببداوتهم وأصالتهم.
انظر إلى قوله:
كأنا وميا بعد أيامنا بها
وأيام حزوى لم يكن بيننا وصل
ولم يتربع أهل مي وأهلنا
أجارع لم يغرس بحافاتها النخل
وقوله في بعض هجائياته غفر الله له:
نِصابُ اِمرِئِ القَيسِ العَبيدُ وَأَرضُهُم
مَجَرُّ المَساحِي لا فَلاةٌ وَلا مِصرُ
فتجده ذم الزراعة كلها,
وكذلك أتى في شعر جرير في هجائه في قوله:
أصحاب نخل وحيطان ومزرعة
سيوفهم خشب فيها مساحيها
قطع الدبار وسقي النخل عادتهم
قدما وما جاوزت هذا مساعيها
لو قيل أين هوادي الخيل ما عرفوا
قالوا لأعجازها هذي هواديها
وفي خبر حكم الصلتان العبدي - أحد بني عبدالقيس - بين كبشي تميم الفرزدق وجرير في قوله:
أَنا الصَّلَتَانِىُّ الذي قد عَلِمْتُمُ
مَتَى ما يُحَكَّمْ فَهْوَ بالحَقِّ صادعُ
أَتَتْنى تَميمٌ حينَ هابَتْ قُضاتُها
وإِنى لَبالفَصْلِ المُبَيَّنِ قاطِعُ
فإِنْ كُنْتُما حَكَّمْتُماني فأَنْصِتَا
ولا تَجْزَعَا ولَيرْضَ بالحَقَّ قانعُ
فإِنْ تَرْضَيَا أَو تَجْزَعَا لا أُقلْكُما
وللحَقِّ بين الناسِ راضٍ وجازِعُ
أَرَى الخَطَفَى بَذَّ الفَرَزَدْقَ شِعْرُهُ
ولكنَّ خَيْراً من كُلَيْب مُجاشعُ
فَيَا شاعراً لا شاعرَ اليَوْمَ مثْلُهُ
جَرِيرٌ ولكِنْ في كُلَيب تَوَاضُعُ
جَرِيرٌ أَشَدُّ الشاعرَيْنِ شَكيمَةً
ولكنْ عَلَتُهُ الباذخاتُ الفَوَارعُ
ويَرْفَعُ من شِعْرِ الفَرَزْدَق أَنَّهُ
له باذِخٌ لِذِى الخَسيسَة رافعُ
وقَدْ يُحْمَدُ السَّيفُ الدَّدَانُ بجَفْنِهِ
وتَلْقاهُ رَثّاً غِمْدُهُ وهُوَ قاطعُ
يُنَاشدُني النَّصْرَ الفَرَزْدَقُ بعدما
أَلَحَّتْ عليه من جَرِيرٍ صَوَاقعُ
فقُلْتُ له إِنى ونَصْرَكَ كالذي
يُثَبِّتُ أَنْفاً كَشَّمَتْهُ الجَوَادعُ
وقالَتْ كُلَيبٌ قَدْ شَرُفْنا عليكمُ
فقُلْتُ لها سُدَّتْ عليكِ لمَطَالعُ
ورد جرير الذي لم يعجبه هذا الحكم على الصلتان العبدي فقال:
أَقُولُ ولم أَمْلِكْ سَوَابِقَ عَبْرَةِ
متى كان حُكْمُ الله في كَرَبِ النخل
...
فأجابه خليد عينين أحد بني عبد الله بن دارم، كان ينزل قرية بالبحرين يقال لها عينين:
أعيرتنا إن كانت النخل مالنا
وود أبوك الكلب لو كان ذا نخل
وأي نبي كان من غير قرية
وهل كان حكم الله إلا مع الرسل
يعيّره جرير بأنّهم كانوا من أصحاب النّخل, مما يدل على أن زراعة النخل كانت مستعابة عند أهل البوادي, لتنافيه مع طبيعتهم القائمة على الترحل والتنقل, وزراعة النخيل تقتضي اللبث والإقامة.
ويشهد لهذا أيضًا قول العباس بن مرداس السلمي يمدح قومه:
وَاذْكُرْ بَلَاءَ سُلَيْمٍ فِي مَوَاطِنِهَا
وَفِي سُلَيْمٍ لِأَهْلِ الْفَخْرِ مُفْتَخَرُ
قَوْمٌ هُمْ نَصَرُوا الرّحْمَنَ وَاتّبَعُوا
دِينَ الرّسُولِ وَأَمْرُ النّاسِ مُشْتَجِرُ
لَا يَغْرِسُونَ فَسِيلَ النّخْلِ وَسْطَهُمْ
وَلَا تَخَاوَرُ فِي مَشْتَاهُمْ الْبَقَرُ
إلّا سَوَابِحَ كَالْعِقْبَانِ مَقْرَبَةً
فِي دَارَةٍ حَوْلَهَا الْأَخْطَارُ وَالْعَكَرُ
تُدْعَى خُفَافٌ وَعَوْفٌ فِي جَوَانِبِهَا
وَحَيّ ذَكْوَانَ لَا مِيلٌ وَلَا ضُجُرُ
إن النخيل يرمز عند هؤلاء البدو إلى حياة مستقرة رتيبة، في قرية أو مدينة، تختلط فيها الأجناس، وتفسد الألسنة، وتضعف الملكة، وتتغير الخصائص والسمات، وأيضًا فغرس النخل ضرب من معاناة المعيشة يكرهه البدوي الذى يعيش على الصيد والغزو.
وفي المقابل يفتخر شعراء المدن والقرى بنخيلهم وحصونهم وآطامهم، مع محافظتهم على الفخر بالأنساب والأحساب، وكثير من قيم أهل البداوة.
وخير مثال على ذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
بِيَثرِبَ قَد شَيَّدوا في النَخيلِ
حُصوناً وَدَجَّنَ فيها النَعَم
نَواضِحَ قَد عَلَّمَتها اليَهودُ
عُلَّ إِل َيكَ وَقَولاً هَلُم
وَفيما اِشتَهَوا مِن عَصيرِ القِطافِ
وَعَيشٍ رَخِيِّ عَلى غَيرِ هَمّ
وقول أحيحة بن الجلاح الأوسي سيد يثرب في وقته كان له حصن فيها سماه: المستظل, وحصن في ظاهرها سماه: الضحيان، ومزارع وبساتين ومال وفير:
يَلومونَني في اِشتِراءِ النَخيل
قَومي فَكُلُّهُمُ يَعذِلُ
وَأَهلُ الذي باعَ يَلحَونَهُ
كَما عُذِلَ البائِعُ الأَولُ
هِيَ الظِلُّ في الحَرِّ حَقُّ الظَليلِ
وَالمَنظَرُ الأَحسَنُ الأَجمَلُ
تَعَشّى أَسافِلُها بِالجَبوبِ
وَتَأتي حَلوبَتَها مِن عَلُ
وَتُصبِحُ حَيثُ يَبيتُ الرِعاءُ
وَإِن ضَيَّعوها وَإِن أَهمَلوا
وَلا يُصبِحونَ يُبَغّونَها
خِلالَ المَلا كُلُّهُمُ يَسأَلُ
فَعَمٌّ لِعَمِّكُمُ نافِعٌ
وَطِفلٌ لِطِفلِكُمُ يُؤمَلُ
فالبدوي الصرف يعتز بالبعد عن كل ما يرمز إلى المدن، والحضري لا يرى منافاة بين أصالته وبين الاعتزاز بنخله وحديقته.
13/ ص 45 مادة (ب ر ن) قال المؤلف عن تمر البرني «يوجد نخله في عالية نجد وهو أصفر الزهو يؤكل رطباً ويكنز تمراً». ولم يبين الشيخ هل هو الصنف الذي يوجد في المدينة المنورة الآن أم لا؟ وورد في الحديث قَول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خيْرُ تَمْرِكُمُ الْبَرْنِيُّ، يُذْهِبُ الدَّاءَ وَلَا دَاءَ فِيهِ». قال الحافظ الذهبي: حديث منكر وقال الشيخ الألباني: حديث حسن.
وقال الشاعر معروف الرصافي:
ونأكل التمر دون العز نمضغه
كمضغنا التمر برنياً وسهريزا
والسهريز: نوع من أنواع التمور العراقية المشهورة.
14/في ص 104 مادة (خ ل ص) تكلم الشيخ عن تمر الخلاص وهو تمر شهير، كريم، طيب، شهي، ينبت في الأحساء بشرقي جزيرة العرب, وانتشر مؤخرًا في مواضع عديدة من أقاليم نجد, ولم يطل الكلام فيه، وليت المؤلف ذكر متى دخل هذا الصنف إلى بلاد القصيم من الأحساء.
ومن طريف ما قال في هذا الصنف من التمر الفقيه الشاعر الأحسائي الشيخ عبد الله بن علي بن عبد القادر:
وغانيةٍ عصيتُ اللومَ فيها
فما لي من هواها من مَنَاصِ
فكم أجني لذيذاً من جناها
أحبَّ إليَّ من رُطَب الخُلاصِ
تقول جنيت بالتقبيل فاغرم
فقلت لها هلمّ إلى القصاص
15/ ص 186 مادة [ط ا ر ] ساق المؤلف أقوالاً قديمة ومعاصرة حول النخل الملتف, ومنها قولهم: «آلف من غراب عقدة»، ومثله عند المعاصرين «نخل ما يطير غرابه» للنخل المزدهر الملتف.
قلت وقد استشهد الشاعر أحمد شوقي بذلك فقال في قصيدته الذائعة عن النخلة:
أَرى شَجَراً في السَماءِ اِحتَجَب
وَشَقَّ العَنانَ بِمَرأى عَجَب
مَآذِنُ قامَت هُنا أَو هُناكَ
ظَواهِرُها دَرَجٌ مِن شَذَب
وَلَيسَ يُؤَذِّنُ فيها الرِجالُ
وَلَكِن تَصيحُ عَلَيها الغُرُب
وَباسِقَةٍ مِن بَناتِ الرِمالِ
نَمَت وَرَبَت في ظِلالِ الكُثُب
كَسارِيَةِ الفُلكِ أَو كَالمِسَل
لَةِ أَو كَالفَنارِ وَراءَ العَبَب
تَطولُ وَتَقصُرُ خَلفَ الكَثيبِ
إِذا الريحُ جاءَ بِهِ أَو ذَهَب
تُخالُ إِذا اِتَّقَدَت في الضُحى
وَجَرَّ الأَصيلُ عَلَيها اللَهَب
وَطافَ عَلَيها شُعاعُ النَهارِ
مِنَ الصَحوِ أَو مِن حَواشي السُحُب
وَصيفَةَ فِرعَونَ في ساحَةٍ
مِنَ القَصرِ واقِفَةً تَرتَقِب
قَدِ اِعتَصَبَت بِفُصوصِ العَقيقِ
مُفَصَّلَةً بِشُذورِ الذَهَب
وَناطَت قَلائِدَ مَرجانِها
عَلى الصَدرِ وَاِتَّشَحَت بِالقَصَب
وَشَدَّت عَلى ساقِها مِئزَراً
تَعَقَّدَ مِن رَأسِها لِلذَنَب
أَهَذا هُوَ النَخلُ مَلكُ الرِياضِ
أَميرُ الحُقولِ عَروسُ العِزَب
طَعامُ الفَقيرِ وَحَلوى الغَنِيِّ
وَزادُ المُسافِرِ وَالمُغتَرِب
فَيا نَخلَةَ الرَملِ لَم تَبخَلي
وَلا قَصَّرَت نَخَلاتُ التُرَب
وَأَعجَبُ كَيفَ طَوى ذِكرَكُنَّ
وَلَم يَحتَفِل شُعَراءُ العَرَب
أَلَيسَ حَراماً خُلُوُّ القَصائِدِ
مِن وَصفِكُنَّ وَعُطلُ الكُتُب
وَأَنتُنَّ في الهاجِراتِ الظِلالُ
كَأَنَّ أَعالِيَكُنَّ العَبَب
وَأَنتُنَّ في البيدِ شاةُ المُعيلِ
جَناها بِجانِب أُخرى حَلَب
وَأَنتُنَّ في عَرَصاتِ القُصورِ
حِسانُ الدُمى الزائِناتُ الرَحَب
جَناكُنَّ كَالكَرمِ شَتّى المَذاقِ
وَكَالشَهدِ في كُلِّ لَونٍ يُحَب
وعلى متانة هذه القصيدة وجودة معانيها وتراكيبها كنت أنتقد على شوقي قوله فيها:
وليس يؤذِّنُ فيها الرجالُ
ولكن تصيح عليها الغُرُب
إذ إنه شانها بهذا القياس وكدر المعنى في هذا البيت عندما قابل صوت الغربان على النخل بصوت الأذان على المنابر, ثم وقفت بعد ذلك لرأي للأستاذ محمد حسن شراب حيث يقول:
«أفسد جمال الصورة بجعل الغرب تصيح عليها، والمعروف أن صياح الغراب نذير الخراب، ولو قال: «ولكن تسبح»، لكان أجمل؛ ليخفف من وقع ذكر الغراب على نفس القارئ، بل إن البيت كله لا فائدة منه؛ لأن ما نفاه يعرفه القارئ، ولا يلتبس عليه، ولعل الشاعر ذكر الغربان إيذانًا بزوال ملك سادته من أسرة محمد علي باشا؛ لأنه كان يصف نخيل حدائق القصور التي يسكنها حكام مصر».
16/ ص 232 ورد تطبيع في كلمة الفسيل إلى الغسيل في بيت الشعر:
تَأَبَّري يا خيرَةَ الفَسيلِ
تَأَبَّري مِن حِنذِ فَشولي
17/ ص 306 قال المؤلف (يقال أبرت النخلة, فأنا لآبرها, وهي نخل مأبورة).
ومنه الحديث: من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع.
قال الأزهري: (وذلك أنها لا تؤبر إلا بعد ظهور ثمرتها, وانشقاق طلعها وكوافيرها عن غضيضها).
قلت: هذه السطور بعينها تكررت في الصفحة التي بعدها ص 307 فيتعين حذفها..
للحديث صلة
** **
- فهد بن محمد الخضيري