لم تكن الأبواب مغلقة وحسب؛ بل كانت المفاتيح عالقة في زوايا النوافذ القديمة والمهشمة.. وما كان له إلا الانتظار والوقوف طويلاً أمام تلك الأبواب.. ليصدح بأغانيه الحزينة.. ويعصر نايه الخشبي العتيق.. عل صوتًا مخبأ وراء تلك الأبواب يستجيب ويفتح لذلك العابر المنهك.. لكن الأبواب ظلت صامدة..
والريح تزمجر معلنة الحرب..
ولا طريق للعودة..
فكتف الليل مكسور..
والقلب معطوب..
ورائحة الفجر بعيدة بعيدة..
وما كان عليه إلا الانتظار.. ومسايرة تلك الريح العاتية.. ونايه في يده يمسكه بكل قوته.. والصوت يخرج منه شجيًا.. ومكسورًا.. ولا مجيب..!
كاد أن يعود.. بعد أن شعر بخذلان الطريق.. والحب.. والرفيق..
بعد أن ماتت الدمعة في أحداقه.. وثقل عليه معطف الليل..
وبرد الليل..
وخوف الليل.. غير أن الأبواب سكبت الرحمة عليه.. وانتشلت المفاتيح من النوافذ القديمة.. وفتحت الطريق.. وسمحت بالعبور.. والدخول.. فانجلت الهموم من قلبه.. وتبسم تبسم الوليد القادم من رحم الأوجاع وهو لا يزال بخير..
** **
- د. أمل العميري