د. أحمد الفراج
في لقاء على قناة أبوظبي الموقرة، اختلف معي ضيف عزيز، عندما قلت: «إن هناك حالة تمرد ديمقراطية على الرئيس ترمب»، إذ هو يعتقد أن ما يجري حالياً في الساحة الأمريكية مجرد خلافات طبيعية، تحدث في الدول الديمقراطية، وهذا غير صحيح، فهناك حالة انقسام حزبية وأيدولوجية حادّة، وغير مسبوقة، يحاول فيها كل طرف شيطنة الطرف الآخر، ولتذهب مصلحة أمريكا للجحيم، إذ لا أزال غير مصدق أن عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، الديمقراطي كريس مرفي، هاجم ترمب وإدارته، وبدا وكأنه يدافع عن حكومة ملالي إيران، فلا أتذكّر طوال متابعتي للشأن السياسي الأمريكي أن سياسياً أمريكياً خرج عن الخط السياسي العام تجاه خصوم أمريكا التاريخيين، فالديمقراطيون والجمهوريون يختلفون حول كل شيء، إلا إذا تعلّق الأمر بالمسلّمات، مثل أن إيران تمثِّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي!
وطالما أننا نتحدث عن حالة تمرد داخل أمريكا، فإن هناك حالة تمرد دولية أيضاً، ضد ترمب وإدارته، وأضحت هذه الحالة واضحة، مع بدء مؤتمر وارسو، الذي يهدف لبحث أفضل السبل لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال مواصلة مكافحة التطرف والإرهاب، فقد ضج حكام طهران، وأعلنوا أن هذا المؤتمر يعقد من أجل مواجهة إيران، ربما لعلمهم بأن سياساتهم التوسعية، ودعمهم للتنظيمات الراديكالية، مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثي في اليمن، هي السبب الرئيس لكل ما تعانيه المنطقة من قلاقل، وقد وقفت معهم في ذلك روسيا، التي يستمتع رئيسها بوتين بمناكفة الولايات المتحدة، في سبيل سعيه الحثيث لاستعادة روسيا لدورها، كقوة عالمية قادمة، في ظل حالة الانقسام، التي تشهدها أمريكا حالياً.
ولئن كان موقف روسيا مفهوماً، فإن حالة التمرد الأوروبية على أمريكا تستحق وقفات، إذ إن فرنسا وألمانيا لم تحضرا في وارسو، امتداداً لاعتراضهما على انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، فالأوروبيون عموماً، وكما ذكرت في مقالات ومداخلات كثيرة، يعتبرون مصالحهم الاقتصادية أهم من الأمن العالمي، وبالتالي لا يعنيهم تمدد إيران، ولا دعمها للتنظيمات المتطرفة، طالما هناك مصالح تجارية معها، وتعتبر المسؤولة عن الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، فريدريكا مورغيني، رأس حربة الدفاع عن اتفاق أوباما النووي، وبالتالي قاطعت مؤتمر وارسو، ومع كل هذه المقاطعات، فإن أمريكا مصممة على إنجاح مؤتمر وارسو، كبداية لتحالفات جديدة، تهدف إلى مواجهة التطرف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ولن تثنيها حالات التمرد والمقاطعات عن المضي قدماً في ذلك، بالشراكة مع حلفائها الموثوقين!