د.عبدالله مناع
بعد نجاح ثورة الثلاثين من يونيو من عام 2013م المصرية.. الحاشدة بثلاثين مليوناً من المصريين والمصريات، والتي كان ينتظرها ويتمناها العرب جميعاً.. إلا قلة من دراويشهم - من العرب والمسلمين - لإنقاذ (مصر) مما وصلت إليه على يد «مرسي» وبديع» وجماعتهم!! لتأتيهم الثورة بـ («قيادتها» الوطنية العريضة الشاملة: من الأزهر والكنيسة وجبهة الإنقاذ وحزبي الوفد والنور وشباب «تمرد».. إلى جانب قيادة الجيش).. كان لابد من تعديل دستور 2012م «الإخواني»، الذي تمت صياغته بتلك الصورة الانفرادية الهزلية المضحكة، التي كانت تنقل على شاشات التلفزيون، وشاهدها العالم أجمع.. ساعة بساعة.. ويوماً بيوم، ليستوعب (خريطة المستقبل) التي أفرزتها الثورة، وإنفاذ خطواتها عبر آلية برلمانية من خمسين عضواً منتخباً برئاسة وزير الخارجية المصري الأسبق وأمين عام الجامعة العربية السابق: «عمر موسى»، والتي كان في مقدمتها: (تعطيل دستور 2012م الإخواني، وسحب الثقة من الدكتور مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية «عدلي منصور».. رئيساً مؤقتاً لجمهورية مصر).. يعقبها «تعديل» الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. هي التي جاءت بالفريق عبد الفتاح السيسي لسدة الرئاسة المصرية في شهر مايو من عام 2014م.. بعد فوزه على مرشح (الناصريين) السياسي «حمدين صباحي»، لتعقبها بعد ذلك «انتخابات برلمانية» في السابع عشر إلى التاسع عشر من شهر أكتوبر من عام 2015م..
لقد ثم إنفاذ (التعديل) الدستوري الأول بحذافيره.. وإنفاذ خطواته الواحدة تلو الأخرى.. وسط دهشة العالم، والمنكرين منهم قيام ثورة «مدنية» بقيادة (عسكرية)!! إلا أنه فات اللجنة (الخمسينية) ورئيسها آنذاك.. تعديل فترة الرئاسة.. إذ بقيت كما كانت عليه (أربع سنوات)، وهي مدة تعتبر أقصر من القصيرة.. خاصة في الدول النامية ذات الكثافة السكانية العالية كـ(مصر)! فـ (القياس) على فترة الرئاسة في الولايات المتحدة أو كندا أو ألمانيا أو اليابان.. ظالم دون شك؟ لأن ما يستطيع إنجازه الرئيس الأمريكي - مثلاً - أو المستشارة الألمانية.. أو حتى رئيس وزراء اليابان.. في (شهر) لا يستطيع إنجازه الرئيس العربي في خمسة أو ستة أشهر!! رغم أن الرئيس السيسي.. استطاع في فترة رئاسته الأولى أن ينجز الكثير كـ (مشروع) توسعة قناة السويس وتحويلها إلى ممرين في وقت واحد.. وبتمويل مصري.. بلغ ثمانية مليارات جنيه مصري، أو مشاريع الطرق.. أو مشاريع الإسكان والسياحة.. أو مشاريع توسعة الرقعة الزراعية، ويكفي الرئيس السيسي.. أنه استطاع في فترة رئاسته الأولى.. أن يكافح (الإرهاب) بنجاح في داخل مصر وخارجها، وأن يعيد الأمن والأمان لها.. ليسير المواطن والسائح في شوارعها وميادينها إلى ما بعد منتصف الليل وقرب الفجر.. دون أن يشعر بخوف أو رهبة أو أن يتربص به إرهابي مجنون!!
لتمضي سنواته الأربعة الأولى في قصر الاتحادية الرئاسي.. في غمضة عين، وليأتي عام 2018م الماضي، ومصر ومحبوها في قلق بالغ خوفاً من أن لا يعيد الرئيس «السيسي» ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية.. إلى أن أعلنت (الهيئة الوطنية للانتخابات) بـ (أن السياسي المصري «المهندس موسى مصطفى موسى».. نائب رئيس «حزب الغد» فرئيسه وعضو حزب (المؤتمر الوطني) قد استوفى شروط الترشيح لـ«انتخابات الرئاسة المصرية»، وأنه سيكون المرشح الوحيد أمام الرئيس السيسي إذا أعلن عن ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية، وهو ما حدث.. عندما استجاب الرئيس السيسي لدعوات الساسة ورؤساء الأحزاب والنقابات والصحافة، وقد أخذ الشارع المصري يردد: (كملَّ جملك ياريس)!!، ليرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية.. في شهر مارس الماضي من عام 2018م.. ليفوز بصورة كاسحة لم تعهدها حتى انتخابات «النبوي» المفبركة أيام «السادات»، فقد تحولت معها مراكز الاقتراع.. إلى مهرجانات تأييد لـ«السيسي»، إلا أن (جدلاً سياسياً) أخذ يتعالى في أروقة البرلمان المصري.. بضرورة تعديل «الدستور» للمرة الثانية.. لتمديد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات.. كما هو الحال في (فرنسا) مثلاً، وأن الدستور ليس قرآناً أو حديثاً قدسياً لا يمكن تعديله استجابة لحاجة الأمة.. بينما قال المعارضون لـ (تعديل) الدستور للمرة الثانية: إن لـ(الدستور).. قداسته، وأنه ليس (بياناً حزبياً) يتم تعديله بين اليوم والآخر بحسب الظروف السياسية ومعطياتها..!!
O O O
أخيراً.. ثم حسم (الجدل).. عندما تقدم إلى (اللجنة العامة) بالمجلس - خلال شهر يناير الماضي - خُمس أعضاء المجلس بـ (مقترح: تعديل بعض مواد الدستور)، التي وافق أعضاؤها على مقترح «التعديل» بما (يفوق ثلثي عدد أعضائها)، ليتولى مكتب المجلس إعداد مشروع تقرير بـ (التعديلات) المقترحة.. باعتباره (لجنة فرعية منبثقة عن اللجنة العامة).. كما قال نص بيان رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال..
لكن التعديلات المقترحة.. تجاوزت مسألة تمديد فترة الرئاسة المصرية من أربع سنوات إلى ست سنوات، الذي تمت الموافقة عليه.. إلى أحد عشر تعديلاً آخر، وكأن (اللجنة العامة) بالمجلس أرادت بهذا التوسع في التعديلات.. معالجة القصور الذي وقعت فيه اللجنة الخمسينية برئاسة عمر موسى عند إقرارها (التعديل الدستوري الأول).. بعد نجاح ثورة الثلاثين من يونيو من عام 2013م.. على نحو قد يكفل عدم اللجوء إلى تعديل دستوري ثالث.. حفاظاً على هيبة الدستور ومكانته..
فقد تضمنت تلك التعديلات: (دعم تمثيل المرأة في المجالس النيابية، واستمرار تمثيل العمال والفلاحين في المجالس النيابية.. بعد أن كان تمثيلاً مؤقتًا، واستمرار تمثيل الشباب والأقباط والمصريين في الخارج وذوي الإعاقة.. بعد أن كان تمثيلاً مؤقتاً، وإمكان تعيين نائب لرئيس الجمهورية أو أكثر، وتنظيم آلية موحدة لتعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا، وجعل تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإنشاء وتنظيم «مجلس للشيوخ».. مع عدم جواز الجمع بين عضويتي مجلسي النواب والشيوخ، مع حذف بعض المواد.. الخاصة بالهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة).. خدمة لمصر وشعبها العظيم وارتقاءً بـ«دستور» أول المجالس النيابية العربية قاطبة، وهو ما يعني - بعد هذا التعديل - التمديد للرئيس السيسي لـ(عامين).. حيث تنتهي فترة رئاسته الثانية - الحالية - عام 2024م وليس عام 2022م.. كما كان الوضع قبل هذا التعديل الأشمل والأدق، والذي جاء في وقته.. لتستقر (مصر) وشعبها الوفي، الذي إذا سألت أحدًا من أبنائه على الهاتف من «جدة».. عن (أحواله).. وكيف هي؟ - في هذه الضائقة الاقتصادية الفاقمة التي فرضها «تعويم» الجنيه المصري أمام الدولار...؟ قال: بخير.. ما دامت مصر بخير...؟