د.ثريا العريض
أتابع نشرة الأخبار وفيها خبر عن تحركات ما تبقى من تنظيم داعش في سوريا بعد انتقالهم من العراق.. وأتذكر بألم وغضب كل الأخبار التي ارتبطت بهذا التنظيم الإرهابي وتفاصيل جرائمه الرهيبة في حق البشر والثقافة والحضارة في كل موقع حل فيه. مشاهد صفوف الضحايا والنحر والحرق وتهشيم آثار معالم حضارية تعود لآلاف السنين, نقلت إلينا بإخراج هوليوودي بتهويل متعمد, ليزرع في وجدان المشاهِدين الرعب والخوف والاعتقاد بأن التنظيم جبار القدرات لا يمكن مواجهته أو التغلب عليه.
ترجع بي الذاكرة بحركة ذهنية لا إرادية لهيئة أخرى مارست الترويع حيث بعض جهازها يصول ويجول في الشوارع بإطار ترهيبي, لتحكم قبضتها على التصرف المجتمعي مسلحة بسقف للممنوعات والمحظورات يظل في تصاعد، في سيناريو مختلق لها فيه دور المدافع عن «الفضيلة», وللمجتمع دور المنحرف الذي لا يستطيع التحكم في غرائزه.
الحمد لله أن الكوابيس تنكشف بعد حين وتتوقف بقرار حازم يحرّم مسلسلات الرعب.
وأنا أكتب, أتابع مع زوجي عرض مباراة في التلفزيون يشارك فيها فريقه المفضّل. يعايش أحداثها على الشاشة عن بُعد وكأنه في قلب الميدان، يوجِّه التعليمات ويقرّر مدى صحّة قرارات الحَكَم.. ثم سرحت شبه نائمة لتصوُّر سيناريو فيلم عن مباراة كرة. بدأ بسيط الحبكة في البداية حيث يوحي بأنك مشاهد يتفرّج على مباراة، متابعاً تحركات اللاعبين والحكم. والعقدة فيه أن تكون متفرّجاً في صفوف ملعب كرة كبير تشاهد مباراة مفصلية -لك فيها فريقك المفضّل- وتعلم أنّ ما يحكمها لن يكون ضعف فريق وقوة الفريق الآخر، بل نوعية أحكام «الحكَم» ولا تملك إلاّ أن تدعو للحكم بالشجاعة وتذكر مثاليات الروح الرياضية.. حيث لن يبقى في موقعه حكماً إذا استمر تكرُّر تحيُّزاته أو انحراف رؤيته وتصنيفه للأحداث خلال المباراة. ولكن السيناريو لا يبقى هكذا، ببساطة عند حد طفولية الحلم بالمعجزات والروح الرياضية ومثاليات المدينة الفاضلة. فالحكم البطل في هذا السناريو المسرحي مباراته الحقيقية صراع مجازي مع حضور «غائب» وشرير. والحكم البطل مقيّد القرار ومكبّل ذهنياً ليس بإغراء رشوة أو تهديد ابتزاز، بل بتهديد بالقتل إن فاز الفريق الأفضل.. استنتاج كابوسي وسيناريو فيلم رعب لمشاهدي الأحداث على الشاشة القادرين على تخيُّل الغد ما بعد المباراة، بشمولية يفتقدها المتفرّجون المصفقون على المدرجات. ومع تخيُّل الغد استعادني الزمن إلى تحرُّك اللعبة على شاشة التلفزيون وأنا أستعيذ بالله من كل شرير متخيَّل أو حقيقي.
***
أتابع نشرات الأخبار على فضائيات متعددة لعلني أتوصل إلى شيء من الحقيقة.. وأدرك أن كل القنوات تشوّه التفاصيل بعروض سيناريوهات متحيزة، تضيف وتحذف, وتحجّم وتضخّم بعض التفاصيل, وتصنّف وتحرّف وتتعمد انتقاء التعبيرات في وصف الأحداث, لتوصل للمشاهدين الرسالة التي ترغب في إيصالها وليس الحقيقة بلا رتوش.
أتابع معكم في حوارنا القادم