عبدالعزيز السماري
يبدو أن التقسيم البشري أو فهمنا التقليدي للماضي والحاضر والمستقبل والفرق الحاد الذي نراه بينهم - قد يكون مجرد وهم أو هروب من الواقع، فالتمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى تصور خيالي لزمن متصل وواحد، وأن ما فعلته في الماضي هو عمل متصل عمّا تفعله في حاضرك، وأيامك القادمة..
ربما لو استطعنا أن نوحّد الأزمنة ونتعامل معها ككائن واحد لاستطعنا تجاوز كثير من أزماتنا، فحقيقة الأمر أنك تعيش في الماضي والحاضر والمستقبل، وربما يفسر ذلك حالة الفشل عند أولئك الذين يتحدثون عن المستقبل كحالة منفصلة، وأن ظروفها ستكون مختلفة، ولكن ذلك غير صحيح، فالمستقبل يبدأ من اليوم.. الكثير مما كان يظن أن الماضي قد حدث بالفعل، وأن المستقبل لم يتم بعد، بينما الوقت في حياتنا اليومية، تدفق مستمر. ولكن يمكن أن يكون من المفيد أيضًا التفكير بالزمن كمجموعة من اللقطات، أو اللحظات، فكل حدث يمكن اعتباره كنبضة للحظة، ولحظة بعد لحظة..
وإذا قمنا بتصوير كل هذه اللحظات، أو اللقطات، فنربط كل لحظة هنا على الأرض، وكل لحظة من الأرض تدور حول الشمس، وكل لحظة في جميع أنحاء الكون.. عندها سنرى كل حدث حدث أو سيحدث على الإطلاق يحدث ومرتبط بالآخر، منذ ولادة كوننا في الانفجار الكبير، قبل 14 مليار سنة. لتشكيل النجوم في مجرة درب التبانة؛ لخلق الأرض، قبل أربعة مليارات ونصف المليار سنة؛ إلى زمن الديناصورات عندما ننظر بجدية إلى المفهوم البسيط والمفهوم الأساسي لـ»الآن»، نكون قد بدأنا بالفعل نفهم أن الماضي والمستقبل يجب أن يكونا حقيقيين لأنهما يمكن أن يكونا الآن، وهذا يعني الماضي والحاضر والمستقبل» كلها حقيقية ومتساوية، وبناء على ذلك دوماً ما تفشل تلك الخطط الزمنية المرتبطة بأرقام مستقبلية، فهي طريقة للهروب من مواجهة الأزمات في الزمن الحاضر..
فنفي الأزمات وحلولها إلى المستقبل يعني فشل ما في مواجهة الحاضر، وما يفعله الغرب في مختلف فعاليته هو العمل من خلال هذا المفهوم، فالمستقبل بدأ في الغرب منذ قرون، ولهذا السبب نلاحظ تلك التطورات الهائلة في مفاهيم الاتصالات والطاقة والصحة، فالإنجاز دوماً ما يخلو تماماً من أوقات محددة لبدايته أو نهايته، ولكنه اندفاع جماعي من أجل أن يكونوا في المستقبل في نفس اللحظة..
باختصار المستقبل هو ما سيحدث في الوقت الحاضر. ويعتبر وصوله حتماً لا مفر منه بسبب وجود الوقت وقوانين الفيزياء. وبسبب الطبيعة الظاهرية للواقع، وعدم إمكانية تجنب المستقبل، ويمكن تصنيف كل ما هو موجود حاليًا على أنه دائم، بمعنى أنه سيكون موجودًا إلى الأبد، وبالتالي يكون المستقبل جزءًا من الخط الزمني المتوقّع حدوثه اليوم قبل غد..
لذلك لا يمكن أن تنجح مشاريع التنمية من حلال خطط زمنية مستقبلية، فالتنمية تبدأ الآن، الذي هو جزء من المستقبل الذي نهرب منه منذ ألف عام، فالعيش في الماضي أو اللجوء إليه جعل منا في حالة خوف مستمر من المستقبل، لفكرة مجهولة مضمونها أن الشر يزداد كلما تقدّم الزمن إلى الأمام، وذلك غير صحيح، فالحياة البشرية تتقدَّم نوعياً وأخلاقياً ورفاهية وحضارة كل يوم منذ أول ظهور للإنسان على وجه الأرض... فلنبدأ رحلة المستقبل اليوم قبل فوات الأوان.