عروبة المنيف
«لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه».
أدى الانتشار الكاسح لتقنية وسائل الاتصال الاجتماعي، إلى إحداث انعكاسات وتداعيات مجتمعية عديدة، يصعب أحياناً التنبؤ بها، فتشريع الأبواب بين الثقافات والمجتمعات نتيجة الانفتاح المعرفي والعولمة كان له كبير الأثر في إفراز ظواهر اجتماعيه إيجابية كانت أو سلبية، فالتقنية «سلاح ذو حدين».
إن السعي للكمال من خلال الاطلاع المباشر على إنجازات الآخرين في الميديا «إنستغرام، فيس بوك، سناب تشات وغيرها»، كان قد طور نوعاً من الهوس مرتبطاً بالشكل أو الظهور! إنه هوس «عمليات التجميل»، الذي أصبح إدماناً عالمياً ومحلياً. ويعرف الإدمان على عمليات التجميل، بأنه «إدمان سلوكي يتخذ شكل الإكراهات النفسية لتغيير الإنسان مظهره وشكله باستمرار بواسطة الجراحة». لقد أصبح ذلك الإدمان ظاهرة منتشرة بين الجنسين وعلى الأخص بين النساء، وتحتل المملكة المركز الأول في إجراء تلك العمليات على مستوى العالم العربي والمركز الثالث عالمياً! فقد نشاهد بعض النساء يداومن على عيادات التجميل ليتطور لديهن الأمر إلى إدمان، ولا سيما أن الوضع الاقتصادي قد تحسَّن ومستوى الرفاهية قد ازداد بدخول المرأة بقوة في سوق العمل وتمكينها اقتصادياً، لتصبح أسعار تلك العمليات والإجراءات في متناول اليد. وما نشهده في هذه الأيام من تشويه للوجوه والأجساد ما هو إلا نتيجة لتلك التجارة الرائجة التي تروّج للصناعة التجميلية، ما يستدعي رفع الوعي بمخاطرها، إنها تجارة تستغل انعدام الأمن والثقة والرضا عن النفس بين من يدخلون في دوامتها.
لقد حول الانستغرام على سبيل المثال، الفتاة إلى «ملكة تنين»، في محاولات جاهدة منها لأن تظهر صورتها متقنة إتقاناً تاماً كما في ثقافة كاميرا اليوم! فالإدمان على تلك العمليات لا يحول شكل الوجه والجسم فقط، بل يلعب على مستوى الإدراك لينعدم التمييز بين ما هو طبيعي أو صناعي أو جميل أو قبيح. فأصبح من الواضح أن هناك لبساً في التفريق بين عمليات التحسين والتكبير! «تكبير الشفاه والصدر والمؤخرة»، لينتج عن ذلك ظاهرة «الإفراط في شكل الوجه والجسم» أو ما يُسمى حالياً «بالمظهر المصطنع».
أن من يدمنون على الإجراءات التجميلية بشكل متكرر، لا يحققون الصورة التي في أذهانهم عن أنفسهم بعد كل تلك العمليات كما بينت العديد من الدراسات، فالقضية ليست قضية تحسين شكل بقدر ما هي اضطرابات إدراكية نفسية نتيجة انعدام الأمان لدى من ابتلي بها، بالإضافة إلى أن الأشخاص الأكثر جاذبية أيضاً ليسوا هم الأكثر سعادة!.
هناك علاج فعَّال في حالات الإدمان على العمليات الجراحية التجميلية أثبت فعاليته في علاج الاضطرابات النفسية السلوكية الناتجة عن انعدام الأمن والثقة بالنفس، إنه العلاج المعرفي السلوكي، الذي يرتكز على مساعدة المريض في إدراك وتفسير طريقة تفكيره السلبية المتسببة بعدم شعوره بالأمان والثقة؛ بهدف تغيرها إلى أفكار أو قناعات إيجابية أكثر واقعية عن نفسه وعن مجتمعه.
كانوا في الصين في العصور الوسطى يضعون قدم الفتاة الصغيرة في قوالب حتى لا تكبر، إرضاءً لزوجها المستقبلي، فالقدم الصغيرة في الثقافة الصينية هي من علامات الجمال، وكان ذلك الإجراء يؤثِّر على مشيتها واستقامتها عندما تكبر، بل وإعاقتها أيضاً. مع هذا الهوس في التجميل وعملياته، من المتوقَّع أن تأتي أجيال بعدنا تحتقر تلك الثقافة التجميلية بعد أن يبرهن العلم أضرارها الخطيرة المعيقة كقصة «قدم اللوتس الذهبية الصينية».