خالد بن حمد المالك
قبل أن يغادر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الهند مختتماً زيارته لها في الفترة من 19-20 فبراير عام 2019م، ومتجهاً إلى الصين في المحطة الأخيرة من زيارات سموه للدول الآسيوية، شهدت العاصمة نيودلهي نشاطات لسموه، وأخرى لآخرين من الوفد الرسمي المرافق على هامش الزيارة، فقد التقى سموه عدداً من الرؤساء التنفيذيين ومديري كبرى الشركات الهندية، التي استثمر فيها صندوق رؤية سوفت بنك، كما التقى سموه برئيس مجلس إدارة شركة ريلاينس، وقد تركزت هذه اللقاءات على استعراض الفرص المتاحة للاستثمار في البلدين، تعزيزاً للروابط والتاريخ المشترك القائم منذ عقود بين البلدين.
* *
وكان اللافت في الزيارة ضمن أشياء أخرى كلمة الرئيس الهندي في حفل العشاء الذي أقامه تكريماً لضيف الهند الكبير، فقد أوضح الرئيس رام نات كوفيند أن هناك علاقة تاريخية كبيرة بين البلدين، وأنها تعتمد على الروابط الحضارية المشتركة، ولهذا يقول -الرئيس الهندي- فقد عاش شعبنا من الخلفيات المتنوعة بأمن وسلام، وأن خبرات ثقافتنا المشتركة، والتعاون الاقتصادي، والمطلب المشترك للعالم الأمن المستدام، تجعلنا شركاء طبيعيين، معبراً عن تقديره لسمو الأمير محمد بن سلمان على مساعيه من أجل جلب التغيير الاجتماعي والتقدم، وأن الروابط بين شعوب بلدينا الصديقين يعود إلى عدة آلاف من السنين، وأضاف بأن الهند تنظر إلى المملكة كعامل استقرار في المنطقة، وكشريك موثوق به.
* *
وقد تُوّجت الزيارة بصدور بيان مشترك، أُشير فيه إلى أن العلاقة الثنائية تتسم بروح من الصداقة القوية، والثقة، والتفاهم المتبادل، وحسن النية، واحترام مصالح بعضنا البعض، وفيما رحب رئيس وزراء الهند بالتغييرات الأخيرة التي أحدثها سمو ولي العهد لتحقيق الاعتدال، والانفتاح في المملكة فقد أعرب الأمير محمد بن سلمان عن تقديره للنموذج الهندي من روح الشمولية والتعددية والتسامح، وقد اتفق الجانبان على تدعيم الشراكة الاستراتيجية القائمة بآلية إشراف عالية المستوى من خلال إنشاء (مجلس الشراكة الاستراتيجية)، بقيادة كل من رئيس وزراء الهند وسمو ولي العهد، ويساندها تمثيل وزاري أوسع يُغطي مجالات العلاقات الاستراتيجية.
* *
البيان تطرق إلى ما تم التوصل إليه من خلال مذكرات التفاهم والاتفاقيات، وهو ما أشرنا إليه في مقالنا أمس، وتضمن البيان التنسيق لمواجهة الإرهاب، مع التأكيد على مطالبة دول العالم بنبذ استخدام الإرهاب كأداة لسياسة الدول، كما تضمن البيان موقف الدولتين من الوضع في اليمن وسوريا، والمطالبة بتحقيق سلام عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقاً للمبادرة العربية، وقرارات الأمم المتحدة، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
* *
والبيان حفل بالكثير من المضامين المهمة التي كانت وجهات نظر الدولتين متطابقة نحوها، كما رسم البيان خارطة طريق لمستقبل العلاقات بين بلدينا، بشكل أظهر التصميم القوي على الإسراع في وتيرة العمل لتحقيق هذه الرؤية التي تؤسس لبناء أفضل العلاقات بين الرياض ونيودلهي، يشجعها على ذلك الإرث التاريخي والحضاري والتعاون القائم على المضي في تحقيق ما هو أعظم وأكبر مما تحقق حتى الآن.
* *
لقد اعتبرت القيادة الهندية أن زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لا تصنف على أنها زيارة رسمية فحسب، ولكنها تندرج ضمن الزيارات التي تتجاوز هذا إلى ما يعبر عن أنها زيارة ذات خصوصية مهمة للهند، تكريما لدولة صديقة هي المملكة، ولقائد وصديق هو محمد بن سلمان، مما يجعل من هذه الزيارة الآن ومستقبلاً تمثل انطلاقة لعلاقات قوية غير مسبوقة في التاريخ بين الهند والمملكة.