د.خالد بن صالح المنيف
في كتابه الماتع «أدب النّجاح» تحدّث «كوبماير» عن مفهوم جميل، وتحدّث عن فكرة جهاز ثمين تمّ اكتشافه مؤخّرًا!
جهاز كمبيوتر لا يحلّل معلومات، ولا يصمّم مواقع، ولا يجري عمليّات حسابيّةً!
إذن، ما وظيفته؟ وكيف يمكن اقتناؤه؟!
اسم الكمبيوتر: كمبيوتر اللا شيء!
هذا اسمه، فهو يستقبل المعلومات فقط، ولا يفعل حيالها أيّ شيء.
كلّ ما يثقل كاهلك من مواقف مزعجة، أو هموم مستقبليّة، أو مخاوف غير مبرّرة, أرسلها له!
- الكلمة التي أزعجك بها صديق.
- النّقد الجارح من أحدهم في مواقع التّواصل.
- التّرحيب الباهت الذي قابلك به جرسون المطعم.
- سعر سلعة اشتريتها ثمّ وجدتها أرخص في مكان آخر.
- تأخّر وجبة طلبتها من مطعم!
كلّ ما عليك هو أرشفة كلّ أمر لا تملك حياله حولًا ولا طولًا، ثم وكّل أمرك لله، ودع المسألة لهذا الكمبيوتر العجيب؛ ينزعج نيابةً عنك، يقلق نيابةً عنك, يسهر نيابةً عنك، اتركه يحمل الهمّ عنك!
وأنت حافظ على طاقتك ووقتك!
حياتنا - للأسف - تتعطّل كثيرًا بفعل التّفاعل الكبير مع أخطاء الماضي ومواقفه السّلبيّة، ومع حماقات بعض من حولنا ومع شؤون المستقبل وهمومه!
الماضي لن نستطيع إعادته ورسم ملامحه من جديد ولا تغيير أحداثه!
لماذا تعذّب نفسك؟
لماذا تحمّلها ما لا تطيق؟
لماذا تضيّع عمرك على ما لا طائل منه؟
تفرّغ لما ينفعك ولما يسعدك، ودع كمبيوتر اللا شيء يتولّى أمر وخز النّدم وسهام العذاب!
ذات يوم، أزعجني تصرّف صديق إزعاجًا بالغًا، وكاد يومي يتعكّر، لولا أن أحلت ملفّه للكمبيوتر.
ومثلها، كنت في دولة أوروبيّة خدعنا بمبلغ في فاتورة مطعم واكتشفته بعدما غادرت وابتعدت عنه كثيرًا, كلّ ما في الأمر أني وجّهت الموضوع إلى كمبيوتر اللا شيء.
ومثله أخطاء ارتكبتها، وكلمات قلتها لم يحالفني الصّواب فيها، وسلوكيّات فعلتها لم تكن الأفضل، وجّهتها مباشرةً للكمبيوتر الرّهيب، ولم أعط للقلق والتّندّم فرصةً أن يفسد عليّ يومي!
الحياة لا تقصّر معنا، وعلى نحو مستمرّ بالكدر والضّيق، ناهيك عن الضّغوطات الدائمة والمشكلات المتجدّدة، وعليه، فلم نضيف إليها أعباءً أخرى من تندّمات الماضي، ومخاوف المستقبل، كلّ ما عليك أن تجمع كلّ هذه الملفات وبشكل حاسم، وأحلها للكمبيوتر العجيب!
ويروي في هذا الشّأن أنّ أحدهم ابتلي بزوجة لا تنقطع عن الشّكوى وكانت كثيرة التّذمّر، لكنّه ومع هذا الحال الصّعب بقي صفاء روحه وتفاؤله دون أن تضطرب أفكاره لتذمّراتها التّافهة، فلم يكن يدع تلك التّذمّرات تستقر في وعيه، بل يحوّلها مباشرةً للكمبيوتر.
جرّب أن تعطي لكل ما يقلقك أجنحةً، ودعه يحلّق بعيدًا عنك.
ومهما كانت أخطاؤك، فاحذر التّفاعل الكبير معها، أو العيش في أتون ما سلف منها!
باختصار، لا تشغل تفكيرك على أمور لا ينفعك الانشغال بها، تلمّس ما ينفعك في هذه الحياة، وما يسعدك، وما يجعلك إنسانًا أفضل، وجزمًا ليس من ضمنها التّفكير في أمور مضت أو لا نملك سيطرةً عليها.
كمبيوتر اللا شيء هو بكلّ بساطة جهاز معنويّ رائع وظيفته الاعتناء بتنفيس المشاعر! كما يعمل هذا الجهاز الظّريف على احتواء ردّات الفعل السّريعة لنا، وكبح جماحها.
فليس من الحكمة ورجاحة العقل أن تعود للماضي وتجدّد حزنًا أو تنكأ جرحًا، أو تستثير وجعًا. فلا قيمة للعودة إلى الماضي؛ نلطم فيها خدًّا، ونشقّ جيبًا، وننشد شعرًا!
اجعل كمبيوتر اللا شيء يتولّى مهمّة د فن تلك الأحداث التي طواها الزّمن، ولا تزد روحك حرقةً وقلبك لذعًا.