سلمان بن محمد العُمري
يقول أحد الإخوة الزملاء إنه أحضر عاملة منزلية من شرق إفريقيا، وقد كان لديها هاتف محمول، وطالبت منذ اليوم الأول بشريحة هاتف وإنترنت وعلى حسابها الخاص، وكنت أظن أن إصرارها على ذلك للتواصل مع أهلها وذويها، وعرضت عليها أن نقدم لها خدمة الاتصال المجاني بأهلها كل أسبوعين، ولكنها أصرت على طلبها، وقالت إنها تريد التواصل مع المتابعين لها على «الفيسبوك» ولها صفحة نشطة والمتابعون لها بالآلاف!!
هذه مقدمة للتعريف بما هو أهم، والتأكيد على أن التقنية ووسائط التواصل هو سمة العصر ولغته بل المكون الرئيس في حياة الناس، ولم يعد الاستغناء عنه لا لصغير أو كبير، أو غني وفقير. فالجميع لديهم البريد الإلكتروني، والمواقع الشخصية على «تويتر»، و«الفيسبوك»، و«التلغرام» وغيرها من وسائط التواصل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين موقعنا الإعلامي العالمي من هذه الوسائط، وهل تم توظيفها التوظيف الصحيح السليم، وهل استطعنا أن ننقل للعالم الصورة الناصعة والجميلة عن بلادنا إنساناً ومكاناً، وما نحن فيه من أمن وأمان، واستقرار واطمئنان وقبل هذا الإيمان، وهل تصدينا لأصوات الباطل وخفافيش الظلام وغراب البين وبوم الصحاري الذين ما فتئوا يكيلون لبلادنا وقيادتنا وشعبنا الإساءات والافتراءات والأكاذيب. للأسف لدينا حضور وحضور كبير في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «تويتر»، ويقل عنها «الفيسبوك» على عكس ما هو موجود في بعض الدول، ولكن هل هذا الحضور الكبير والكثيف استفدنا منه في إبرار ما لدينا من منجزات ونمو ونهضة واستقرار؟!.
وأيضاً.. أقول للأسف «لا».. نحن نحظى بنسبة كبيرة وعالية من المسجلين في «تويتر»، ولكن ما يقدم فيه لا يعكس واقعنا ولا أخلاقنا ولا قيمنا ولا المحبة الصادقة لبلادنا، فقد جعل الكثير وليس البعض هذه الصفحات لتغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة وأولها كسب أكبر قدر من الجماهير والحضور والمتابعين على حساب أمور مهمة وفي مقدمتها ديننا وعقيدتنا ووطننا ومجتمعنا؛ فتجد البعض لديه عشرات الآلاف من التغريدات لا تكاد تجد منها ما نسبته 1 % في خدمة البلاد والعباد، والبقية الباقية عدا أنه من المكرر فهو يدخل في التمجيد للنفس والقبيلة والنادي وللأهواء الشخصية، في حين أن هناك غفلة كبيرة عن أمور أهم منها، بل قد يجر صاحب الحساب الكبير في عدد المتابعين للكتابة والتعليق على أمور هامشية أو في قضايا معينة لزيادة الخصومة والفرقة والتناحر بين أبناء الوطن، ولربما تعدى ذلك إلى أن يكون المغرد قد تم سحبه إلى ميدان يتم فيه الإساءة لبلده ودينه من حيث يعلم أو لا يعلم حينما يجاري حسابات أخرى في التندّر والتعليق على أي قضية تطرح دونما نظر وتمعن وفحص في مآلات التغريدة، وأين تصب وما الذي يناسب قوله، وربما تم العمل على استفزاز المغرد ليخرج عن طوره ويظهر انفعاله فيستغلها البعض كأنموذج لما يستشهد به من السباب والشتائم التي تنسب لأبناء بلادنا.
لا نريد أن نبادل السباب والشتائم بشتائم مثلها أو نتطاول على الأعراض ونخرج عن الثوابت والقيم، فهذا ليس من ديننا ولا أخلاقنا ولا قيمنا ولا تربيتنا، ولكن نريد أن نبين للناس جميعاً ما نحن فيه من نعم، ونريد أن نبين للناس مواقف المملكة مع أشقائها وإخوانها، ونريد أن نبين مكانة المملكة العربية السعودية إقليمياً ودولياً وما لها من مكانة ليس في نفوس المسلمين والعرب فحسب بل ما تحظى به من تقدير في العالم ومواقفها الإنسانية وثقلها السياسي والاقتصادي وقبل ذلك الديني.
وأقول للأسف مرة أخرى إن مواقع التواصل الاجتماعي أردنا أم لم نرد أصبحت ساحة لـ«الشخصنة» بل ولـ«التطاحن» ننتصر فيها لسفاسف الأمور، ولا ننتصر لديننا ولا لوطننا، وانظروا إن شئتم لبعض القضايا السطحية المحلية ومنها الرياضية على سبيل المثال، فنجد أن إيقاف لاعب أو خطأ حكم في المباراة يصل إلى «ترند» عالمي بينما تحاك المؤامرات ضد بلادنا، ويساء إليها، ويتطاول عليها وأصحاب مواقع التواصل قد شغلوا بقضايا تافهة!.
لا نريد أن تكون مواقعنا للسب والشتم وسيئ الأخلاق كما ذكرت آنفاً، ولكننا نريد أن نتحمل مسؤولياتنا أفراداً وجماعات في أن نذب عن بلادنا، وندافع عنها بالحقائق والبراهين، وأن تقوم الجهات المسؤولة بالتوعية والتوجيه غير المباشر، و«المواطنة» لا تحتاج إلى من يدعمها فهي مغروسة، ولكننا نريد التوجيه والإرشاد، والاستفادة من ذوي الإمكانات من أهل الخبرات والمعرفة، ومن الإعلاميين المتمرسين، ومن أصحاب اللغات ليؤدي الجميع رسالتهم، وأن يُستفاد من وسائط التواصل الذي أصبح في متناول الجميع. والله من وراء القصد.