المراقب للمشهد العربي الحالي سيلاحظ بشكل واضح بأن هناك في أوساط الشباب نوعاً من الانغماس الديني على مستوى الأفكار والجدليات وليس على مستوى السلوك الذي قد يكون مناقضا بالكامل لهذه الأفكار. فليس بغريب (على تناقضه) أن تجد شاباً لا يصلي ومتعدد العلاقات اللا شرعية .. إلخ من السلوكيات غير المنضبطة دينياً يقوم بمحاكمة الآخرين وتقييمهم والحكم عليهم من منطلق ديني لا يتقيّد به، ويقوم بإدانتهم على ممارسات هو يمارسها أيضاً!!. هذا نوع من الدروشة الدينية الفكرية التي تتناقض مع مفهوم الدين نفسه القائم على السلوكيات والتعاملات المباشرة لا الأفكار المجّردة المعزولة عن الفعل. مما أفرز نوعية من الشباب المتدينة فكراً والمنحرفة سلوكاً.
برأيي الشخصي بأن واحداً من أسباب هذه الدروشة الغريبة والانغماس الديني الفكري المبالغ فيه والمرتكز في غالبه على الشكليات والطقوس ومظاهر الدين دون أن يكون لهذه المظاهر ارتباط أو تأثير حقيقي ومباشر على السلوك والتعاملات اليومية مع الآخرين والمناقض لتداعيات العصر الحديث والحراك الفكري والاجتماعي العالمي وخصوصا في أوساط الشباب هو ردة فعل لهؤلاء الشباب على واقعهم المحبط. المحبط في جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مقارنة بأقرانهم في بقية مجتمعات العالم.
هو إحباط ممتد منذ عدة عقود سابقة يعود بشكل أو بآخر لفشل حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي التي ظهرت بعد خروج الاستعمار من الوطن العربي في منتصف القرن الماضي. هذا الفشل خلق نوعا من الهزيمة في ضمير الإنسان العربي والمسلم وشعورا خفيا بعدم القدرة على مواجهة الآخر/الغربي بكل ما يحمله من أدوات الحضارة الحديثة. مما جعله (أي الإنسان العربي) يحاول الالتفاف على هذا الشعور غير المعلن بالهزيمة، بالارتداد نحو الماضي واستحضار البطولات التاريخية الحقيقية والمتخيلة والبكاء عليها بشكل يكاد يكون دائما، مما صنع نوعا من الجدار العازل ما بين هذا الإنسان والعصر الذي يعيشه، ودفعه لتبني أفكار إصلاحية جديدة متطرفة على تنوع الإيديولوجيات التي تظهر بها وذلك في رؤيتها وتعاطيها مع الذات ومع الآخر من جهة أخرى.
لا شك بأن هناك دوافع لأن يغيّب الشاب عقله بالمخدرات أو بالأفكار .. لا يهم... دوافع اجتماعية واقتصادية وأسرية تتطلب من المختصين القيام بدراسات وأبحاث جادة فيها لمعرفة منطلقات هذا الفكر الغريب الذي قد يهيئ شباباً جاهزين للتطرف والرمي بأنفسهم في حضن الحركات الإرهابية بشكل مفاجئ وسريع من الصعب رصده أو توقعه. وبحسب معلوماتي غير الموثّقة فإن نسبة لا يستهان بها من الشباب العربي الذي انضم إلى داعش وأخواتها كان من هذه الفئة، بالشكل الذي جعل من انضمامهم هذا أمر صادم ومفاجئ وغير قابل للرصد.
** **
- تركي رويّع