تَعَلَّل غَنَّى البَانَ أنْدَى فَاَنْدَيْتَا
رَوِيَّ رَوِيٍّ خَالَ .. صُبحْاً .. يَواقِيْتَا ..
فرائحةً مثلَ الظنونِ حسبتُها
ربابًا فأمستْ في النَّوَى الريحُ تشتيتا ..
تِهاميةً غنَّتْ مِزاحَ بناتِها
بِوَادٍ بِه بَعْضَ الصَباباتِ أخْفَيتا ..
أبَرَّحَ بي هذا الخَفَاءُ خَفَاءَهُ
إذا الريحُ في صدري تُباريه تَنْهيتا ..
أَنأيًا .. فمالي كُلما التأم الضُحى
على شفتي شاكيتها البيت و البيتا ..
غريبانِ .. هذا النأيُ و الليلُ إنْ بنا
شِتًا أو بصيفٍ .. فاجرحِ الشِّعرَ وُقِّيتا ..
مِنَ النقش في لونٍ .. ألا كيف مَرمرًا
تُخايلُه في أي فوديه أَجريتا ..
أَخُلِّدَ فيهِ من جَوى الشِعر فاتنًا
مُجَنحُ حرفٍ أو تصاويرُ حَلَّيتا ..
بِيَ الغادياتُ الآن واكِفةً بها
تَهائِمُها .. أيانَ بالأمس حَلَّيتا ..
فيا دارَ ريَّا عادَني بعضُ هاجسٍ
«بذي سَلَمٍ» هل هذه الريحُ غَلَّيتا ..
ألا ليتَ مَنْ غَلَّ القلائدَ في ضٌحى
مِنْ الجِيد آوى لي ألا ليته لَيْتَا ..
فإِني كَأَني الشِعرٌ مُغْرَورِقٌ به
ضُحاهُ .. فهلَّا ذا الرُضَابَ تَصَفيتا ..
تِهاميةٌ عَيني .. أَفِقْ إنما الدُجَى
سَرَائِرُ تَبْلى .. كَم سَرَائِرَ أبليتا ..
أُحدثُ أشيائي عن الليل يا لَه
تَدَثَّرَ جلبابين .. مِسكا وترْبيتا ..
تُرَبِّتُ مَنْ يا ليلُ .. ريَّا ..أَمَرمَراً
خَلياً .. شَبَا الأوجَانِ آن تَشَهَّيتا ..
سحابة مسك فاحمرارٌ فصفرةٌ
فوردٌ .. شفاهٌ ذي فَأَلْويتَ حاكيتا ..
فما شفةٌ .. ريَّا .. ولكنْ سحابةٌ
كَعَابٌ وسِدرٌ كلما اخْضَلَّ صافيتا ..
و ريانةٌ تَلهو بفتنته الثرى
فما غَدَقٌ من عين صافيهِ « عَلَّيتا» ..
صَفَتْ لَكَ أبعاضُ الزمانِ فتِهتَ إذْ
عن الغَدَقِ اللأْلَاء .. يا صاحِ نُبيتا ..
فآنَقُها في شُرفة البَدر واقفٌ
مُعَسْجَدَةٌ ذي الرِيحُ تُنبي المواقيتا ..
وآنقُها في شُرفة الوقت مُقْمِرٌ
كأنَّ يواقيت الهَوى نُضِدَتْ بيتا ..
قوافٍ فما للأقْحوانِ مُجانبا
أيندى نديًّا كُلما شَفَّ غَنيتا ..
نَديانِ .. مَطلول الشِفاه وغيمها
فقل يا بَهاها كيف بالرِئم أزْريتا ..
مُنفَّرةٌ .. هل مُتهِماتٌ تَبرجت
فعن فتنة المسك التهامِ تنحَّيتا ..
فلا إنما .. ريَّا .. المياسِمُ وردُها
تَلاوينُ ريَّاها .. مواويلُ لبَّيْتا ..
ولا لَمْ «لها لونٌ» يَتِهْ إنما لها
مَواكبُ لونٍ .. ناجِها آن ناجيتا ..
فَمَنْ ذا ضُحى غَنَّى .. فلا الجَفْنُ رفَّ ذا
يُشَاجُنُ آناً ثم آناً تَصَبَّيتا ..
تِهامٍ بوادٍ رددي يا سَراتَها
و يا سَهْلَها بالشِعر والنَاي سَرَّيتا ..
فَذي بنتُ غَيمٍ كُلما ناضَ بَرقُهُ
قلائِدُها خَالتْ .. جَويتَ تَأسَّيتا ..
وذي النَادياتُ -الليلَ - هَتَّانَ رَبْرَبٍ
مُطَّهمةٌ .. هل عرشُها الآن جاريتا ..
أذاهلةٌ عَن طَلِّها عن صَبابتي
مُعَللةٌ .. صافيتَ .. غنيتَ .. جَافيتا ..
فصَفوك قالتْ يا تِهاميُ ليتَ لي
مَزاميرَ نَشوى .. هل حُمَيَّاكَ أبْلَيْتا ..
تُغني فذي الأْنداءُ مُخْضَلَّةٌ هنا
و ذي التَالداتُ - الليلَ والصوت - أصْفَيتا ..
فيا لك إن تَجفُ العُروشَ غَوابِراً
تَرُمْها أواناً .. كم قناديلَ أطْفَيتا ..
سَفَرْتَ تُباهي طيفَها ليس ها هُنا
سِوى الطَيفِ مُخْضَلِ الحَفَافي فناديتا ..
أصَادٍ على نَأيٍ فعَرَّشْتَ تَزدهي
بشمس ضُحاها .. أيُ ذا الطَّلِّ أنْدَيتا ..
فيا نجمةَ الصُبحِ البَهي تَمَطَّري
عناقيدّ ريَّا .. سوف تَنْدى فناديتا ..
وأيُ قناديلِ المساءاتِ رَنَّقَتْ
ذُبالاتِها تستَعتبُ الليل ساقَيتا ..
حِجازيةٌ أو في ليالٍ تَسَهَّدَتْ
تَرِفُّ فلا نَجمٌ تَسَهَّدَ شاجيتا ..
وإن شَفيفاً من ضُحاها مُلاعباً
و رِيفاً رَدَاحَاً نَعَّمَتهُ فشافَيتا ..
شَفيتَ قوافٍ .. شَالَها شَفَّها شَفَتْ
شِغَافاً شَرُوداً لونُها .. شِبْ فشَبَّيتا ..
لي اللهُ .. كَمْ آسى أُباهي فلا أَنِيْ
شَتِيتَ فؤادٍ .. جَمْرَ .. ريَّا .. فَشَبَّيتا ..
مَجامِرُ مَعصُوباتُ جَمرٍ نواعِمٌ
نَواعِمُ مَعصُوباتُ تِيْهٍ .. أنُجِّيتا ..
مَرَاودُ وردٍ .. أيُ عين شَفَتْ بها
مَراودَ جَفْنٍ أو ثَرىً .. صِفْ فلاهَيتا ..
سَجونا فباقاتُ الأقَاحيِ كَوثَرٌ
مَناهلُ رُمانٍ .. أمازيجُ صَفَّيتا ..
فمَا شَفقٌ لونُ الصَباباتِ لونُهُ
كأنَّ أفَاويقَ العَشِّياتِ غَاوَيْتا ..
ألا ليتَ أسفاري سُهيلٌ مُجانِبٌ
عنِ الشَامِ ورداً نَاضِرَ الخَدِّ غَانيتا ..
فعُنقودُهُ .. رَوِّ المَسَا .. رَوِّ أنْجُماً
تِهاميةَ الأنداءِ .. سَلْ عَصْفها شِيْتا ..
إذا شِيْتَ ما تُغني الصَباباتُ والهَوى
فَجانبْ يَمانيَّاً .. ثُرَياكَ أبْكيتا ..
مُتَيِّمَ حتَّى الريح أنَّى صَفَتْ لهُ
مُتَيِّمَ أوقاتي .. المَراودَ صَفَّيتا ..
علامَ ألا ليتَ الذي خَالَ باكِراً
يَرُشُّ لماهُ .. التِيهَ .. أَنَّى أَلَمَّيْتا ..
صَفِيةَ قلبينا .. ارتِعاشاتُ بَرْقِها
مُلاءاتُ وردٍ .. كُنتَ يا وردُ أَمْلَيتا ..
أهذا المُوشَّى اللونُ أم ذا عَقِيقُها
كأنَّ بُروداً .. كُلما الصَيفُ أصْدَيتا ..
فمُمليةٌ .. ريَّا .. أساريرها الضُحى
كَواعِبَ بانٍ .. أيُ ذا البَانِ حَبَّيتا ..
عِرِائشُ مِنْ أعراقِها في شَفِيفهَا
وأُخرى نواحيْ القَلبِ .. يا شِعرُ أُنْبِيتا ..
وثالثةٌ لو أنَّ شِعريَ قد حَكى
لأبلغتُها جِذْرَ السَحاب النَّديْ بَيتا ..
ورابعةٌ أزْدِيةٌ ليت يا ضُحى
تَشِفُّ عن الأعراقِ شَمساً وأرْبَيتا ..
أو المَرْمَرِ المَشْغوفِ بالبردِ والنَدى
أو العَبَقِ المُختالِ .. لُثْتَ فمَلَّيْتا ..
بَكِيٌّ .. ينادي في الثَرَى ما تِهامةٌ
و ريَّا .. سِوى قلبينِ يا شِعرُ أَصْبَيْتا ..
فيا جَارحي لو أنَّ هذا البُكا بَكى
لأسْهرتُ قنديلي يُنادي فَرَقَّيْتا ..
ليَ اللهُ .. هذا القلبُ مُعشَوشِبٌ بِه
حنينٌ ونَأْيٌ .. أيُّمَا الناسِ نُسِّيتا ..
دُجُناتُها الأطْيافِ سَاهرةٌ بِه
كأنَّ قَناديلَ الحَزَانى التَّناهيتا ..
أُعَلِلُها شَابَتْ ذُبالاتُ مَوقِدي
كأنْ مَرْمَرٌ في الوادِ نادى فَعَدَّيتا ..
بوادٍ طُوالٍ كُلما رَنَّقَ الحيا
أعَاليهِ .. أحْفَاهُ التَصابي فأَحْفَيتا ..
ألا غَنِّ .. ريَّا .. الآن واقْرَأ سلامَها
تِهَامةَ .. كمْ مِنْ نَجْمِها الوَردِ فَدَّيتا ..
على أنَّ تَشْرابي الصَباباتِ ليتني
أُرَوي بُروداً نَسْجَ « بلقيسَ » رَوَّيتا ..
دَوانٍ على بَضٍّ مِنَ البَانِ مُتْرَفٍ
فيا عَسْجَدياً .. أيُّ نَجْوايَ أبْديتا ..
ألا غَنِّ .. ريَّا .. الآن واقْرَأ سلامَها
قَوافِيَّ .. وَدِّعْ .. أيُّ ذا الحَرفِ أظْميتا ..
أَتُرخي بَناناً .. قُلتُ ذا نَسْجُ مَرْمَرٍ
فكيفَ ارتِعاشُ اللونِ .. ريَّا .. فأرْخَيتا ..
ويا زُخْرُفَ الأوقاتِ يا ذا اللمَى .. أَبِنْ
فما شَفَةٌ أَزْدِيَّةٌ اللونِ غَضَّيْتا ..
كأنْ شَفقٌ ورْديهُّا أو غَضِيضُها
مُصَفَّىً .. بَهِيٌ غَرْبُهُ .. كيفَ أمْسَيتا ..
مُعَلِّلَ جَفْني بالدُّجَى لونَ والهٍ
لِمَه .. عن بُرُودٍ .. مَرْمَرَ الليلِ شَقَّيتا ..
مُسَاهِرتي .. جَفْنانِ .. ليلٌ مُمَرَّدٌ
يواقيتُ نَشْوى دونَ ذا الليلِ أَنْشَيْتا ..
مُمَرَدَةُ الأنْحَاءِ .. ريَّا .. مُفَاضَةٌ
مُزَجَّجَةٌ .. غَنَّيْتَ .. لو ما تَغَنَّيْتا ..
... ... ...
ملحق:
إنني أرى الإطالة في الشِّعر سَبحاً وسطوة ذهنية على اللغة، ما لم تغرق في التقرير أو عُجمة التخييل. وما من نص يكون شعراً كله، إنما هي ذُرىً شعرية تبلغها اللغة ثم تنحسر، ثم تبلغها ثم تنحسر، فالسياق في حال من العصف عجيب. والعقل الشعري يبلغ ظرفه العقلي الفرد حيناً، ويفلت منه ذلك الظرف حيناً بحسبه هو، لا تعطله الإطالة ولا يشحذه التقليل. ذلك أنه هو هو.
غير أن الذي لا ينكر أن الحنكة اللغوية آلة تَلَقِّي الشِّعر (قولاً واحداً) و إلا فلا تلقي.
** **
- شعر/ محمد العُمري