من أهم المدارسات العلمية في البحث الشكلاني ما يسمى بالقيمة المهيمنة، التي تتشكل ملامحها عبر تقسيم الخطاطة الأدبية إلى مجموعة من القيم، تتوزع حينها في فضاء النص من القيمة العليا إلى القيمة الدنيا تتخللها قيمة مهيمنة تستحوذ على مساحة كبيرة من المركزية الإبداعية.
ومعيارية القيمة تتحدد في كل نص بناء على توجه مخصوص، وهذا ليس على مستوى النص المفرد، بل على مستويات متعددة وفي نواحٍ مختلفة، تتقصد التجربة الشخصية، والأصل الأدبي، والمذهب التفكيري، والمنهج العلمي، والفن في حقبة زمنية معينة. واستثمار مثل هذا المعنى يبدو جلياً في بناء النص الشعري، فالشعرية العربية الموروثة تغدو فيها مسألة الوزن الخليلي والقافية الموحدة قيمة مهيمنة بينما التمرد على هذا النظام في الموشح والزجل والمسمط والمزدوج تعد قيمًا غير مهيمنة. وأما مع ظهور الشعر الحر في الشعرية المعاصرة فإنَّ الهيمنة للقصيدة العمودية لا تبدو كما كانت عليه إذ تحولت الهيمنة إلى قيمة أقل بينما فسحت المجال لهيمنة الشعر الحر. وهذا يتصل بطبيعة الحال عند شعراء الحداثة في مجلة شعر كأدونيس وأنسي الحاج إذ تتبدل القيم من العمودية والشعر المتحرر إلى قصيدة النثر.
وعلى مستوى التجربة الشعرية الخاصة فإن لكل شاعر قيمة مهيمنة يعرف بها دون غيرها من المضامين الأخرى، كشعر مجنون ليلى في الغزل وشعر أبي نواس في الخمريات والمجون، وهذا التوجه يقرأ على مستوى المدراس الشعرية كما يبرز عند عبيد الشعر بإمامة زهير بن أبي سلمى فتغلب عملية التنقيح ومعاودة النظر والمراجعة على الانطباعية والعفوية. ويذهب جاكوبسون إلى أن الاهتمام بالقيمة المهيمنة لا يمكن حصرها في الأثر الجمالي، بل تتناول وظائف إنشائية أخرى كالذي يتعيَّن في حمولات المجتمع والدين والسياسة، وهو بذلك ينطلق في تشريح الرؤية التي تتجاوز النص المركزي كالشعر والرواية إلى إحكام كافة أشكال المنتوجات الأدبية كالسيرة الذاتية والمحادثات اليومية والمقابلات وكتابة المقالات الصحفية غير أن الوظيفة الجمالية تغدو مهيمنة على بقية الوظائف الأخرى. ومنزع الاهتمام بالقيمة المهيمنة يعود في النهاية إلى غائية التأصيل الفعلي للعمل الإبداعي، والتحكّم والتغيير في طبيعة العناصر المؤثرة والتي تؤدي إلى ضمانة تلاحم البنى الهيكلية.
** **
- د. خالد الجميحي