د. محمد عبدالله الخازم
تشير لوائح العمل الدبلوماسي إلى تحديد مدة بقاء الدبلوماسي السعودي في بلد الإيفاد بأربع سنوات فقط، يتم بعدها انتقاله لبلد آخر، أو العودة للمملكة. بحثت عن أصل هذه المادة بسؤال بعض الدبلوماسيين القدماء عنها فما وجدت لديهم مبررًا واضحًا لها؛ إجابة ترى أن الأصل فيها كان ينطبق على السفراء أسوة بالوزراء وأصحاب المعالي، وثانية ترى أنها مجرد حماس من فئة قليلة لديها هواجس ومخاوف أمنية أكثر من اللازم، وثالثة بنسبة أقل ترى أن العائد المادي كان محفزًا لتبنيها. سألت دبلوماسيين من دول مختلفة فلم أجد قاعدة واحدة تسير عليها جميع الدول. المبررات نظرية، ولا يمكن الجزم بأن أربع سنوات أفضل من ست أو ثماني سنوات، من الناحية الأمنية أو الدبلوماسية، والأمر يعود لمجرد التقدير..
الآن، والتوجه العام هو نحو التحول الاقتصادي، وأبرز ملامحه ترشيد النفقات، فإن تغيير هذه المادة إلى ست سنوات مثلاً سيوفر على الدولة مبالغ كبيرة، ولو تغيرت لتصبح ثماني سنوات سيتم توفير ضعف ذلك المبلغ. ولشرح ذلك نشير إلى أن الموفد يستلم بدل إيفاد راتب ثلاثة أشهر في بداية إيفاده، ومثلها عند انتهاء مهمته بالدولة الموفد إليها. فلنا تصور التوفير بتقليص حجم التنقلات بين الدول.
هناك معلومة مهمة يجب أن ندركها في هذا الشأن، هي أن نسبة السياسيين القياديين تعتبر الأقل ضمن الدبلوماسيين، والغالبية وإن حملوا مسمى الدبلوماسي، كمسمى تفرضه البروتوكولات الدولية، يؤدون أعمالاً فنية وإدارية وتخصصية في السفارات ومكاتبها التعليمية والتجارية والعسكرية والصحية وغيرها. وما يحدث حاليًا هو عدم منحهم الفترة الكافية لاستيعاب طبيعة النظام والمجتمع الجديد في البلد الذي يعملون فيه، وتُحرم السفارات والملحقيات والمكاتب من الاستفادة من الخبرات التي تتكون لدى منسوبيها في بلد البعثة الدبلوماسية. لكل بلد ثقافته ونظامه ولغته المختلفة، وأول عام هو بمنزلة التدرب والتعرف من قِبل الموفد على نظام وثقافة البلد، وما إن يستقر ويبدأ الإضافة في عمله بعد عامين أو ثلاثة حتى يعود يحزم حقائبه للرحيل، وتعود المؤسسة للتعامل مع قادم جديد، يبدأ بالعجلة الزمنية نفسها، مع فترة استعداد ميتة، تمتد لأشهر بين الانتقال من بلد لآخر. أي إن الدبلوماسي أو الموفد ما إن يبدأ حتى يبدأ الاستعداد للمغادرة والانشغال بالبحث عن (الواسطات) والاستثناءات التي تتيح له التمديد، بالذات في الملحقيات والمكاتب التابعة للسفارة بحكم ازدواجية مرجعيتها الدبلوماسية والإدارية. طبعًا لا ننسى أن الموفد في النهاية مواطن صاحب عائلة وأطفال وترتيبات معيشية مختلفة، وفترة أربع سنوات مربكة للنظام الأسري والاجتماعي. أنصح الباحثين المهتمين بدراسة الاحتراق الوظيفي لدى الدبلوماسيين السعوديين الذي يسببه قلق عدم الاستقرار الوظيفي والاجتماعي والاقتصادي، وتأثير ذلك على الرضا الوظيفي وجودة الأداء!
هذا المقال يكرر الرسالة في وقت تجري فيه مناقشة لائحة جديدة لوظائف الدبلوماسيين، وبمناسبة تولي معالي الدكتور العساف دفة قيادة الوزارة، وهو الخبير بالشؤون المالية والإدارية والسياسية، مقترحًا تمديد الفترة المحددة لبقاء الدبلوماسي بالبلد الواحد إلى ست سنوات على أقل تقدير، مع إتاحة الفرصة لمن يرغب في الانتقال دون ذلك.