د.عبدالله بن موسى الطاير
من شابه أباه فما ظلم، فما بالك بمن شابه آباء وليس أبا واحدا. فهي ريما، والدها بندر أشهر سفير سعودي وعربي في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى 22 عاما (1983-2005م)، وجدها لأمها فيصل -رحمه الله- أول وزير خارجية للمملكة لنحو 44 عاما، وخالها سعود -رحمه الله- من أشهر وزراء الخارجية في العالم على مدى أربعة عقود. وجدها لأبيها سلطان الذي قال فيه خالها خالد:
سلطان موقف والتجاريب برهان
إلى انتهض يكفي وإلى مد يغني
وإلى تكلّم كل شيٍ معه لان
وإلى وعد يوفي وإلى قال يعني
لقد جمعتي المجد من أطرافه، والسياسة من مناجمها الأصيلة، مع إيماني بأن كل ذلك لا يغني شيئا لو لم تكوني أهلا للمناصب.
تيممين وجهك يا سمو السفيرة شطر أمريكا وقد تغيرت كثيراً منذ غادرتي ضاحية ماكلين، فلا الإعلام التقليدي المقروء والمسموع والمرئي عاد مهيمنا على الرأي العام الأمريكي، ولا حاجبا على بوابات الوعي يمنع التواصل المباشر مع الشارع، فقد فتحت لك شبكات التواصل الاجتماعي السبيل ممهدة إلى عقول ووجدان العامة والخاصة، ولم يعد الليبراليون يتركون الناس في حالهم، بل تحول الكثير منهم إلى اشتراكيين يكرهون كل من بيده ثروة وسلطة، ولم يعد المحافظون الجدد عدوا أيديولوجيا كما كانوا بعد 11 سبتمبر 2001م، وإنما أصبحوا يفتحون وسائل إعلامهم لنطل على الرأي العام الأمريكي، فهم يأمنوننا -إلى حين- على أخلاقهم التي يرون أن الليبراليين أفسدوها.
صحيح أن من يسدي لك نصحا أو يقدم رأيا فيما يخص أمريكا فكأنما يبيع الماء في أحياء السقاءين، ولكن لاريب في السماع لمواطن لم تلده دوائر النخب المغلقة، خاض تجربة الحديث إلى الأمريكيين في أحلك الظروف فوجد منهم الترحيب. مهمة سموك تبدو مستحيلة في هذه الظروف، وأراك قادرة عليها، فلا تنشغلي كثيرا بمبادرات «الهشك بشك»، فالأمريكيون أكبر ذكاء من استغفالهم بالهياط.
الحديث عن التحديات يطول، ولكن استدعاء الفرص أطيب حديثا في مهمتك الوطنية، فمن حسن حظك أن الأسئلة التي كانت تعجزنا قبل بضع سنوات فيما يخص المرأة والمحافظة ومكافحة الإرهاب قد أجاب عنها الأمير محمد بن سلمان -بشفافية مطلقة- في زيارته التاريخية لأمريكا أوائل عام 2018م.
أتمنى ألا تستفرغ الأسئلة العبثية والمطالب الطوباوية وقت وجهد سموك. الأمريكيون لا يرون أننا نشاركهم القيم، فنحن مختلفون عنهم، والأمريكيون لا يقبلون الاختلاف فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات؛ إنهم لا يرضون بغير التبعية المطلقة. مع أن اللهاث خلف رضائهم لن يؤدي إلى نتيجة، وإنما سيرهق مراكبنا ويشوه صورتنا التي ستتحول حينئذ إلى صورة مشوهة عن حضارته. ولذلك فإن مهمة سموك الرئيسة ستكون في إقناع الأمريكيين بأن هذا العالم يقبل التمايز بين مكوناته، وأن من نواميس الله في الأرض التعددية والتدافع والتعارف ثم التعايش بين الغرباء. الاختلاف معهم لا يعني بحال من الأحوال كراهيتنا لطريقتهم في الحياة، أو يدفعنا لتدمير منجزهم الحضاري كما يخوفهم البعض منا، ولكن يعني بالضرورة تجنب طلاء العالم بلون واحد، فلو تماثلت مكوناته لوصل التاريخ نهايته.
قد تجدين نفسك بين خيارين: أولهما الاستسلام لابتزاز شركات العلاقات العامة، ومَن خلفها من النافذين في الإعلام والمؤسسات لإشاعة السذاجة التي لا تليق بالمملكة العربية السعودية، ونشر إعلانات بملايين الدولارات لا تسمن ولا تغني من جوع كما يفعل غيرنا. وثانيهما: العمل على تطوير أجندة قابلة للتطبيق يحملها متحدثون من السعوديين -غير الرسميين-، والأصدقاء من الأمريكيين والغربيين والمسلمين عربا وعجما يطرقون بها أبواب وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والمدارس والجامعات وحيثما يكون هناك تجمعات، ولا بأس من أن تسندهم شركات العلاقات العامة تقنيا دون أن تتدخل في المحتوى. أما الخيار الاستراتيجي فهو استنبات خبراء في الشؤون السعودية من جميع الجنسيات يقيمون في مراكز الدراسات والبحوث ووسائل الإعلام، يكتبون ويتحدثون بالحقائق وليس بما يعجب الأمريكيين، فما زال الصدق أقصر الطرق إلى السلامة.