ناصر الصِرامي
نظرية التطور للعالم البريطاني تشارلز داروين هي أحد أهم نظريات العصر الحديث وأكثرها جدلية وجاذبية.
حيث قدم لتغير الأنواع تدريجيًّا عبر ما يسمى بالانتقاء الطبيعي، كما في كتابه «أصل الأنواع» الذي صدر عام 1859 أوضح داروين أن التطور أدى إلى ظهور أنواع مختلفة من أصل واحد.
لكن «الانتقاء الطبيعي» كتبه عالم مسلم قبل ذلك بكثير، وتحديدًا قبل داروين بنحو ألف عام!
في العام 776 ميلادية كان الوقت الذي زاد فيه نفوذ المعتزلة، الذين كانوا ينادون بإعمال العقل وتشجيع الفكر الإنساني. في ذروة العصر العباسي، شهدت حركة الترجمة لكبار الأعمال في الفكر والفلسفة والعلوم من اليونانية إلى العربية، وكان العراق، وفي البصرة نقاشات وسجالات فكرية قوية عن العلوم والفلسفة.
في ذلك الوقت ولد وعاش الجاحظ، الفيلسوف المسلم المقيم في العراق، وألف، كتابه «الحيوان» عن كيفية تغير الحيوان عبر ما سماه أيضا بالانتقاء الطبيعي..!
مما ساهم في تشكيل فكر الجاحظ وساعده على صياغة أفكاره. فيما تعددت اهتمامات الجاحظ بين الكثير من القضايا، وكان من بينها العلوم والجغرافيا والفلسفة والنحو والأدب. ويعتقد أن الجاحظ ألف نحو مائتي كتاب، لم يبق منها لعصرنا الحالي إلا نحو ثلثها.
كتاب الحيوان
يعد كتاب الحيوان للجاحظ كتابا موسوعيًّا يقدم معلومات موسعة عن 350 حيوانًا، ويقدم فيه الجاحظ أفكارًا تحمل تشابهًا كبيرًا لنظرية داروين للتطور.
ويقول الجاحظ في كتابه إن الحيوانات تشتبك في صراع على البقاء والموارد حتى تتكاثر وحتى لا تفترسها حيوانات أخرى. ويرى أن عوامل بيئية تساعد الكائنات على تطوير سمات جديدة لضمان البقاء، وبهذا تتحول إلى أنواع أخرى.
ويرى الجاحظ في كتابه الحيوان أيضًا أن الحيوانات التي تبقى وتنقل صفاتها وسماتها الناجحة إلى ذريتها.
ويتضح من الكتاب إدراك الجاحظ أن الكائنات والعالم الطبيعي في صراع دائم للبقاء وأن هناك أنواعًا أقوى من أنواع أخرى. ويتوجب على الحيوانات أن يكون لديها سمات تساعدها على التنافس على العثور على الطعام وعلى ألا تكون فريسة لحيوان آخر وعلى أن تتكاثر. وهذا يؤدي إلى تغيرهم من جيل إلى آخر.
النظرية الإسلامية
وكان الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر على دراية بإسهامات العالم الإسلامي في مجال التطور. في واقع الحال، كان العالم ريتشارد دريبر، المعاصر لداروين، يتحدث عن «النظرية المحمدية للتطور» عام 1878م.
ولا يوجد دليل على أن داروين ذاته كان على دراية بأعمال الجاحظ أو أنه كان يفهم اللغة العربية.
الصحفي العلمي إحسان مسعود، الذي أعد سلسلة لبي بي سي بعنوان «الإسلام والعلوم»، يقول إن من المهم تذكر الآخرين الذين ساهموا في فكر التطور العلمي.