د. خيرية السقاف
لا تزال المواشي ترعي حيث النبت، والقطر..
لا تزال المزون تدر على السطوح، والأعماق، والثقوب..
لا تزال التربة تحتضن البذور، تتمخض الجذوع، تطعم الفروع..
لا تزال الأشجار تنبت الزهور، تلد الثمار، تهب الطعام، تلقي الظلال..
لا يزال الهواء يمد الكائنات بأنفاس الحياة..
لا تزال الشمس تضيء، تطهر، تمد، تتفاعل، تدفئ، تُحفِّز....
لا يزال القمر يهلُّ، ينير، يلمع، يؤقِّت، يدل، يجذب ....
لا تزال البحور تتماوج بما فيها، تمد وتجزر، تأخذ وتعطي..
كل كائن غير الإنسان في طبيعته لا يتغير، وعن دوره لا يتأخر،
وبمقاديره تُقنن معطياته، وآثاره..
كل كائن لا يخدش الطبيعة فيه، ولا يتخلى عنها، ولا يسطو على غيرها، ذاته منفردا..
أرأيت الحجر يوما قد طمع في أن يكون وردة، ولم يسحقها بقوته، ما لم يكن بيد إنسان!!..
وهل رأيت الماء يولِّد نارا، ونورا إلا حين يسخره لهذا الإنسان..
إنك ما مسَّتك سطوة الحديد إلا حين يصنعه الإنسان سلاحا..
ولا غدرت بك ثمرة، وتغيرت بين يديك زهرة إلا حين يتلاعب بنطفها الإنسان..
وإنك ما ضرتك النباتات، وداهمتك أمراض المأكولات، وسموم المشروبات إلا بفعل الإنسان..
لوَّث الماء في مصادره، وسطا على المقدرات في مخابئها، وقضى على الحياة في مهادها، واعتلى..
ليته نزيهٌ في سلام، أو واعٍ في عفاف، أو بانٍ في نزاهة، أو معمّرٍ في غير أطماع، أو عالمٍ بلا خراب، أو طامحٍ دون قتل..
إنه آفة الحياة حين يبني وهو ينخر، ويُعلي وهو ينقض، ويسطع وهو يطفئ، ويفكر وهو يدمر، ويبدع وهو بائس!!..
وحده الإنسان علامة فارقة في الطبيعة!!..