د. محمد عبدالله الخازم
كتبت في مقال سابق ضد فكرة فصل جامعة الملك فهد عن وزارة التعليم وإلحاقها بشركة أرامكو، لأن الجامعة كمفهوم أكاديمي وفكري وتعليمي وبحثي أكبر من أن ينضوي تحت مظلة شركة. ربما نجحت أرامكو في مشاريع خارج إطار تخصصها لكن الجامعة منظومة مستقلة وليست مجرد مشروع تتعاقد أرامكو مع شركة أجنبية لتنفيذه خلال أشهر وانتهى الأمر كما حدث في عدد من المشاريع التي أُستعين بها لتفيذها. أرامكو لا تحقق نجاحاً في المشاريع المتسدامة الدائمة خارج تخصصها كجامعة الملك عبدالله أو في خدماتها الصحية وهذا أمر طبيعي لأن تميزها يأتي في تخصصها وفي التعامل مع المشاريع الإنشائية.
وكان هناك سؤال مهم؛ إذا كيف ترى تطور جامعة الملك فهد وأنت تعارض مثل هذه الفكرة؟
أرى ضرورة تحولها إلى جامعة وطنية شاملة وليس مجرد جامعة تقنية كما يوحي اسمها - بشكل خاطئ- بدءاً من إلغاء صفة البترول والمعادن من مسماها وتوسعها في التخصصات للجنسين. سبق أن طرحت نموذجا لجامعة المستقبل السعودية من ناحية الاستقلال المالي والوظيفي والفكري وجامعة الملك فهد مؤهلة للبدء بهذا النموذج، وبعض نقاطه تتمثل في معاملتها كمشروع تشغيل ذاتي - مصطلح يستخدم في وزارة المالية - بمعنى منحها المرونة في تنظيم بنودها المالية وأنظمتها الداخلية وفق آلية مستقلة بما في ذلك هيكلة وظائفها وآليات التعيين والاستقطاب والتقاعد عليها وفي تنمية مواردها الذاتية وفي حوكمتها بشكل منفصل عن وزارة التعليم. أحد مكونات النموذج تتمثل في تأسيس الجامعة لشركة ربحية ومؤسسة غير ربحية للتعامل مع مواردها وتنميتها المالية وفي أن تحصل على الدعم الحكومي وفق عدد المنح الدراسية التي تقدمها ووفق دعم المشاريع التي تحتاج دعمها وما تقدمه من خدمات إضافية وأن لا يمنعها الدعم الحكومي وفق الصيغة المقترحة من استقطاب الطلاب الدارسين على حسابهم أو على حساب مؤسسات داعمة، كأرامكو ومن البحث عن المنح البحثية من كافة القطاعات.
النموذج يقترح تحويل وظائف أعضاء هيئة التدريس من النظام الحالي إلى وظائف وفق عقود تتيح للجامعة تحسين الرواتب والترقيات والتطوير والاحتفاظ بالمتميز منهم وفق إنتاجيتهم، إلخ. كما يتيح لها التحول إلى جامعة بحثية - كما يرغب القائمون عليها - باستقطاب الباحثين وليس مجرد حملة الدكتوراه. وبالطبع يحوي النموذج نظام حوكمة أحد معالمه تأسيس مجلس إدارة يشرف على الجامعة كجهة مستقلة ويرسم إستراتيجاتيها المستقبلية.
جامعة الملك فهد ربما تكون الأقدر بحكم حجمها الصغير/ المتوسط وقدرتها العلمية وتنظيمها وعلاقاتها المتميزة، على بدء مثل هذا النموذج، الذي يعزز فكرة الرؤية الاقتصادية الرامية إلى تنمية الموارد الذاتية للجهات المختلفة بما فيها الجامعات. هذا التحول سيضمن بدلاً من وضعها في حضن أرامكو إلى جعلها شريك يتفاوض على مصالحه معها وغيرها من الشركات ويحقق مكاسب على المدى البعيد تفوق مجرد تغيير المدير من أكاديمي إلى إداري (نفطي). والأهم أنه قد يسهم في تقديم نموذج تجريبي يحتذى به.
للمزيد حول النموذج المقترح ورؤيتي لجامعة المستقبل السعودية يرجى العودة إلى كتاب «جامعة 2030».