د. خيرية السقاف
تغري المناصب من الناس من يحسب أنها «فرحة»..
ولا يعي أبعادها إلا حين تخيب فرحته «بترحة»، وهذه حقيقة تواجه كل من تأخذه موجة الفرح فيطفو بها دون أن يغوص في عمق المسؤولية التي يطوقه بها قرار اختياره للمنصب..
قلت ذات مقالة قبل أكثر من عقدين عن «القرار» بأنه صاحبه، أي أنه يمثل وعي، وبعد نظر، وإدراك، وصبر، وصدق، وإلمام من يتخذه في مضمونه، وأبعاده، ومعرفته بمن يختار، وبما يَنصَبُّ فيه هذا القرار من موضوعات، أو يخص به من أفراد، ومن ثم فإن من يقع عليه الاختيار له مناطة به تفاصيل ما يسند إليه، ولن يتبرأ من مثالب أدائه، كما لا يحرم من مزايا نتائجه..
في معمعة التطوير لأجهزة المؤسسات المجتمعية تكون مناصب اتخاذ القرار على درجة من الحساسية لأنها تحت مجهر كامل الشفافية، وتحديدًا حين تكون متعلقة بالجماهيرية، كالتعليم، والإعلام، والاتصالات، والخدمات المجتمعية، والبنوك، والمواصلات..
فالمناصب فيها ذات أبعاد مهمة، والأدوار فيها رهينة القرار داخلها ممن يتسنمون قياد قراراتها..
وحين يُختار المرء لمنصب ما فهو في حالة اختبار دائم، وعلى محك فحص مستمر بين حجري رحى ما يقدم، فإما «جعجعة» وغوغاء، وإما طحينًا نافعًا..
فمن يعمل في نور، ليس كمن يعمل في ظلمة، ومن يمتح من منجم، ليس كمن يمتح من بئر خاوية..
والطحن، والنور، والمنجم، والدلو، والمجرى كلها مصادر ما يعطي من ينزل منصبًا، ويعتلي سدة قرار..
فكل ما ينتج عنه يمثله، وكل الذي يتخذه عن فكره، وكل الذي يقرره فمن قدرته، هو أمام مجهر الذين معه، وما، ومن يمتد إليه، وما يُسمع من خطوه، وما يُرى من ظلِّه..
إن المناصب مقاصل، ومفاصل..
وإنها لمشراق، أو محراق..
إن لا يوليها من تُسند إليه جلَّ عنايته، وحرصه، وخوفه، وانتباهته، وصدقه، وعدالته، ونزاهته، وأمانته، فإنها كالمقصلة تجز الثقة فيه..
وإن هو أولاها جلَّ رعايته، وحرصه، وأسقاها بعذب وعيه، وقوة أمانته، وسطوع نور جهده، وسعة رحابته، وتجرد إيثاره فإنها مشرقة به، كالمفصل في باب بين خطوة قبله تعثرت، ثم بعده استقامت، وامتدت..
وإنها من قبل وبعد مشراق أمانة يمتحن المرء بها فيسفر نورًا،
أو محراق تفريطٍ يؤول عنها انطفاءً وانزواءً..
إنها المناصب مطمح الفَرحين، ومخافة الواثقين!!..