م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. في بدايات المرحلة الثانوية في عمر (15) سنة يكون الشاب قد طوى مرحلة الطفولة ووصل إلى عمق المراهقة.. وهي كما نعلم جميعاً مرحلة سنية عنيفة في مشاعرها حرجة في تقلباتها.. تستقل فيها النفس ويصبح لها رغباتها وطلباتها وتطلعاتها.. وتنزعج بشدة من مقاومة الأهل والمجتمع أو الظروف لتلك الرغبات.. مما يجعلها تثور لدى البعض أو تستسلم لدى البعض الآخر.. أو تناور وتداور وتحتال وتلف وتدور كما لدى الأغلبية.. الذين يحاولون تحقيق ما تشتهيه أنفسهم دون مصادمة مع محيطهم الذي ما زال يتحكم فيهم.
2. في تلك السن وكان ذلك عام (1974م).. ومع انطلاق حمى البعثات التعليمية والتدريبية وبالذات الدورات العسكرية التي كانت متاحة للطلبة الذين لم ينهوا الثانوية العامة.. رسب صديقي في أولى ثانوي.. ولم أكن أدري أنه فعل ذلك متعمداً حتى يلتحق بإحدى الدورات العسكرية التي كانت تقام في أمريكا ولمدة سنتين ثم يعود برتبة (صف ضابط) في القطاع العسكري الذي ابتعثه.. استغربت لماذا يريد الالتحاق ببعثة يتخرج منها برتبة (صف ضابط) بينما لو انتظر سنتين أخريين لحظي ببعثة تخرجه ضابطاً؟.. فهو ابن عائلة ميسورة وليس بحاجة إلى ترك الدراسة والالتحاق بعمل.. فكان جوابه لي: أريد أن أخرج من الرياض ولا أبقى فيها.. بل إني بعد إنهاء مدة البعثة سوف أبقى هناك ولن أعود!.. وبسؤاله لماذا؟.. كان جوابه: إنه (أبي).. لا أريد أن أبقى أو أعيش في المكان الذي هو فيه!
3. انضم صديقي إلى واحدة من تلك البعثات.. وفعلاً تم له ما أراد وبقي متنقلاً (بلا جواز سفر) بين أمريكا والمكسيك قرابة عشرين عاماً أو أكثر هارباً من الحكومتين الأمريكية والمكسيكية بجريمة الإقامة غير الشرعية.. والحكومة السعودية لهروبه من البعثة العسكرية.. التقيته في الرياض مؤخراً.. أي بعد مضي أكثر من أربعين سنة على قراره بالهرب.. فوجدته على مشارف الستين ولم يتزوج بعد.. كما وجدته ما زال هارباً رغم أن أبيه قد توفي منذ سنوات.. وأخبرني أنه انتقل من الهروب في الغرب إلى الهروب في الشرق.. وأنه الآن يتنقل ويعمل ما بين الفلبين وإندونسيا لكن (بجواز سفر).. ومشكلته اليوم أنه استمرأ الهروب فلم يعد يستطيع أن يتوقف!
4. يا لها من مصيبة أن تشعر أنك ضحية طوال عمرك.