د. خيرية السقاف
مع وفرة غذاء، ودواء، وماء..
مع دروب ممهدة، وناقلات ميسّرة، وبيوت مشرعة، ووظائف كافلة، ومأوى يلمُّ، ووسائد في المتناول، وهندام يكسو، ومركبة تقل، وطريق ممهد، وهواء نقي، وقربى في الحضور، وأخلاء في المواقف، وزملاء في العمل..
مع ما تشتهي النفوس وإن تنوّع، قل أو كثر، تحقق في الدوام، أو يسير في النوال..
مع إمكان سفر، وتجديد همة، وقدرة اقتناء، وإضافة مُراد..
مع متاح تعليم، وزيادة ممكنة، ودخل يكتسب، وكتاب للقراءة، وشاشة للمعرفة، وجماعة للثقافة، ووسيلة للترويح..
مع شدو عصافير، ونقاء هواء، وروي تربة، ومطر سماء، وظلال، وسقوف..
مع قدرة إبصار، وإمكانية مشي، وسلامة عقل، وعافية نفس..
ومع من قبل، وبعد صلاة تُقام في وقتها، وأذان يُعلى لا يتأخر، وناصح أمين، ومحضن خير مكين، وجيرة لا تطغى، وإخوة لا تجفو، وقريب لا يقطع، وصديق عند النداء..
مع هذه الحياة بتقلباتها المختلفة، بكل اختلاف في طبائع، وتنافر في سجايا، وأشباه في مسالك،
فإنها لا تزال مكمناً لقيم في حلقة لا تنبتُّ ثابتة..
ومع كل ذلك فإن الإنسان القريب في الرغد، واليسر، والفقر، والعضد لا يزال يعمرها بالرضا.
غير أن مع كل ذلك من الإنسان من يدلق العكرَ، وينشر القبح، ويشيع الدكن..
يتذمر لا يرضى، يسخط لا يقنع، ينكر لا يقر، يتجاهل لا يقدر..
يخدش الجمال بمخالب فراغه..
لا يفتح عينيه في الصباح على ما يبهجه من كل ذلك،
ويغمض عينيه عند منامه دون أن يشعر بنبضة رضا لما هو فيه،
فيغلق داخله بما فيه عمّا هو خارج عنه..
إنه حامل المعول يهدم ذاته..
والحياة تمضي بما فيها، وبما ليس فيها دونه..