د.عبدالله مناع
يذكرني «حفل» غرفة جدة التجارية الصناعية أو «اليوبيل الذهبي» لها بمناسبة مرور خمسة وسبعين عامًا على إنشائها، الذي شهد وقائعه مركز جدة للمعارض، مساء يوم الثلاثاء ما قبل الماضي، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين وإنابة مستشاره أمير منطقة مكة المكرمة عنه: الأمير خالد الفيصل.. بحضور محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز وعشرات العشرات من «التجار» ورجال الأعمال، وأعضاء مجالس إدارة «الغرفة» الحاليين والسابقين، وحشد كبير من الإعلاميين والضيوف، والذي استخدمت فيه أحدث تقنيات الاتصال التلفزيوني في نقل كلمته الافتتاحية التي ألقاها وزير التجارة ووزير البلديات والشؤون القروية بالوكالة، وأحد أمناء الغرفة السابقين: الصديق الدكتور ماجد عبدالله القصبي من مكتبه في العاصمة «الرياض»، والذي اختتم بحفل غنائي ساهر -لأول مرة- أحياه فناننا الكبير الأستاذ عبادي الجوهر.. وكان حديث المجالس والمنتديات: إعجابًا بـ(أولوياته)، وثناءً على كل تفاصيله.
يذكرني هذا الحفل الجميل، والفريد بـ(أولوياته).. الذي هندسه شباب مجلس إدارتها: رئيسًا وأمينًا وأعضاءً.. الذي حالت -بكل أسف- بيني وبين حضوره ظروف انشغالاتي العملية.. بـ(حفل) الغرفة التجارية الصناعية (الأول)، الذي جرى قبل خمسة وعشرين عامًا في قاعات مقرها الحالي -بشارع الأمانة- والجديد آنذاك.. بمناسبة مرور خمسين عامًا على تأسيس وإنشاء غرفة جدة التجارية الصناعية الرائدة في إقامة الغرف التجارية في المملكة.. تحت رعاية النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران -آنذاك- الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي هندسه وأشرف على كل تفاصيله (رجلا) الغرفة التجارية الصناعية -آنذاك-: الشيخ إسماعيل أبو داود.. (شهبندر) تجار جدة، والرئيس السادس للغرفة، وأطول رؤساء الغرفة التجارية الصناعية عمرًا في منصبه، وأمينها العام الشاب آنذاك الدكتور عبدالله صادق دحلان الذي ترك الجامعة وعالمها الأكاديمي، وفضل العمل في الغرفة أمينًا عامًا لها.. ليصبح أشهر أمنائها.. وأطولهم عمرًا في منصبه -كرئيسه وصديقه (شهبندر) تجار جدة.
لقد كان من أبرز ما أنجزه حفل «اليوبيل الفضي» للغرفة.. (أمران): الأول.. هو إصدار «الغرفة» لـ (كتاب) مرجعي وثائقي يروى قصة حياتها ونشوئها.. بـ (التواريخ) والأسماء، وإعداد الدورات الانتخابية التي عقدتها، وأسماء رؤسائها وأمنائها الذين تعاقبوا عليها طوال الخمسين عامًا الأولى من عمرها.. إلى جانب المراسيم الملكية، التي أصدرتها الدولة لدعم الغرف التجارية وإنشائها، وإضافة «الصنَّاع» والصناعة إليها.. لتصبح غرفًا تجارية وصناعية معًا، أما الأمر الثاني الذي تميز به حفل (اليوبيل الفضي) لـ»الغرفة» آنذاك، فهو التمهيد لإقامة أول معرض لـ»الكتاب».. (هدية) من الغرفة لـ(أبناء جدة وسكانها)...!
وقد بدأت قصة هذه «الهدية» في معمعان انشغال الدكتور الدحلان في الإعداد لحفل (اليوبيل الفضي) للغرفة الذي سيرعاه النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وحرصه على أن يكون نموذجيًا في كل تفاصيله..
ولصلتي العميقة بالدكتور الدحلان: أخًا وصديقًا عزيزًا.. فقد كنت أتابع معه بفضولي الصحفي معرفة تفاصيل برنامج حفل «اليوبيل الفضي» الذي ستقيمه «الغرفة» لأول مرة في حياتها.. للاطمئنان كـ»صديق» من جانب، ولنشر ما يمكن نشره من أخبار عن حفل «اليوبيل الفضي» في «المجلة» التي كنت أرأس تحريرها آنذاك، ليسألني الدكتور الدحلان بسماحته وكرم خلقه: ما الذي يمكن أن تقدمه «الغرفة» لمدينة جدة ولأهلها وسكانها في هذه «المناسبة»..؟
فكان أن أجبته بأن ترعى «الغرفة» إقامة معرض للكتاب في إجازة منتصف العام أو إجازة الربيع، كما تم التعارف على تسميتها...؟ فقال: على بركة الله.. وستخُصص غرفة في (المقر)، وسكرتارية لـ»اللجنة» التي ستتولى الإعداد لهذا (المعرض) ودعوة الناشرين للمشاركة فيه.. وقد كان.
لتتواصل أعمال (اللجنة).. بحضور أبرز المعنيين بـ(الكتاب) وفي مقدمتهم الصديقان الأستاذان محمد سعيد طيب مدير عام شركة تهامة للإعلان والنشر والتوزيع ومحمد صلاح الدين صاحب الدار السعودية للنشر والدكتور عبد الرحمن العرابي رئيس قسم (التاريخ) في جامعة الملك عبد العزيز والأستاذ «عابد اللحيان» من الإعلام الداخلي بوزارة الإعلام.. وسكرتارية الزميل الخلوق الأستاذ خالد صابر.. ليظهر في موعده المقدر تقريبًا: أول أو ثاني معرض للكتاب في جدة في «مركز المعارض: على طريق المدينة رغم ضيقه وصعوبة المواقف حوله.. بفصل الغرفة التجارية الصناعية وقرار أمينها الدكتور عبدالله صادق دحلان..
* * *
لقد تذكرت كل ذلك الماضي البعيد بتفاصيله.. مع متابعتي لأخبار حفل (اليوبيل الذهبي) للغرفة أو مرور خمسة وسبعين عامًا على تأسيسها، لا تساءل وأين «هدية» جدة وأبنائها وسكانها من حفل (اليوبيل الذهبي)...؟ قياسًا مع ما قدمه حفل (يوبيلها الفضي) قبل خمسة وعشرين عامًا.. خاصة أننا لم ننس بعد قصص وأخبار معرض جدة الدولي للكتاب في دورته (الرابعة) التي انتهت قبل شهر في الخامس من شهر يناير الماضي!؟
إن أهالي جدة وسكانها -إن أجزت لنفسي الحديث عنهم.. أو باسمهم- لا يطلبون من «الغرفة» هدية كتلك التي قدمتها الغرفة في حفل «يوبيلها الفضي» قبل خمسة وعشرين عامًا!! ولكنهم يتساءلون حتمًا: أمعقول.. ألا تستطيع غرفة جدة التجارية الصناعية بـ(إمكاناتها) المالية وقدراتها ومكانتها في مجتمع جدة تأمين أرض وبنائها لتكون معرضًا لـ(الكتاب) وغيره.. يليق بجدة وسمعتها الجمالية التي طبقت الآفاق.. بدلاً من هذه «الخيمة» التي تقيمها وتهدها الشركة المنفذة لـ(معرض جدة الدولي للكتاب) كل عام...؟ وخاصة أن «أمين» مدينة -أو محافظة جدة- كان رئيسًا لمجلس إدارة «الغرفة».. قبل أن يتولى مهام أمانة المدينة أو المحافظة...؟!
فـ(الناشرون) العرب والدوليون معًا الذين أسعدهم قرار السماح بإقامة معرض دولي ثانٍ لـ(الكتاب) في جدة إلى جانب معرض الرياض الدولي لـ»الكتاب» الذي سبقه رسميًا.. وتراكضوا لـ(حضوره) وحجز المساحات فيه.. فاجأهم أن (المعرض) في تلك (الخيمة) النائية فيما يسمى بـ(أرض الفعاليات في أبحر الجنوبية)!! ومع ذلك ظلوا يترددون عليه، لأنه في «جدة» اللصيقة بـ(الحرمين الشريفين)، وأكبر مدن المملكة التجارية وأهمها.. طوال دورات المعرض الأربع السابقة.. وإن تناقصت أعدادهم عامًا بعد عام!! فـ»جدة» وغرفتها التجارية الصناعية، ورجالاتها.. لا يشكون فقرًا أو قلة تقعد بهم عن إقامة (معرض) ضخم حديث البناء والتجهيزات.. يخدم (الكتاب) وغيره كـ»العطور» والأزياء وأجهزة التقنيات الحديثة والأثاث، بل السيارات والمعدات الثقيلة ولكنها ربما تشكو قلة العزيمة والإرادة في هذا السبيل.
* * *
وفي كل الأحوال تتوجب.. تهنئة (غرفة جدة التجارية الصناعية) على استمرار هذا «التقليد» الجميل.. مع صادق تمنيات بلوغها: (يوبيلها الماسي).. مع بلوغها المائة عام الأولى من عمرها: فهي «تاريخ»، و»حياة» كبحرها، ويكفيها اعتزازًا أنها كانت المنجم أو المختبر لاكتشاف ستة من وزراء التجارة من بين رؤسائها وأمنائها!