صيغة الشمري
إن الناظر إلى نصيب العرب والمسلمين من جوائز نوبل في مجالات العلوم (الطب والفيزياء والكيمياء) والتي تعد المعيار الأبرز لقياس حجم إسهامات الدول في مسيرة التقدم الحضاري، سيجده نصيباً متواضعاً صغيراً، بل سيصدم إذا ما عرف أن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
فمن حصل عليها من العرب حتى الآن ثلاثة، هم إلياس خوري (لبنان) في الكيمياء، أحمد زويل (مصر) في الكيمياء، بيتر مدور (لبناني) في الطب.. أما المسلمون فبالإضافة إلى زويل تضم القائمة محمد عبدالسلام (باكستان) في الفيزياء، وعزيز سانجار (تركيا) في الكيمياء.. والحق أنه عدد ظالم لهذه الأمة التي قامت الحضارة الإنسانية على أكتاف علمائها في العصور الوسطى، عندما كان العالم يطبق عليه ظلام الجهل.. ففي الوقت الذي كان علماء الأمة الإسلامية يضعون أسس العلوم في الفلك والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات وغيرها، كان المفكرون في أوروبا يرجعون الظواهر الطبيعية إلى أسباب غيبية أشبه بتفسيرات الإنسان البدائي لتساقط المطر وحدوث البرق والرعد!.
ولو أردنا إنصاف هذه الأمة بحق، فما علينا سوى أن نتخيل حجم نصيبها من جوائز نوبل لو أنها طبقت بأثر رجعي، وسنجد حينها احتكار عربي وإسلامي لهذه الجائزة لعدة قرون، فمن من علماء العالم في العصور الوسطى كان يستطيع أن يحصل على الجائزة في حياة ابن الهيثم مثلاً؟.. ومن كان يستطيع أن يقتنصها من أمام ابن سينا أو جابر بن حيان أو الخوارزمي؟!.. وغيرهم كثيرون ممن أسسوا لكل العلوم التي قامت عليها الحضارة الأوروبية فيما بعد والثورة الصناعية التي نقلتنا إلى العالم المتحضر، بل إن بعضهم قد يحصل على الجائزة أكثر من مرة وفي أكثر من مجال، لتشعبهم واطلاعهم الواسع وشغفهم بمختلف العلوم.. فكنا سنجد ابن الهيثم يحصل عليها مرة في الفيزياء ومرة أخرى بسبب تبحره في علوم الفلك، وثالثة للهندسة ورابعة لطب العيون وخامسة في الأدب والفلسفة، فإن كان من الطبيعي تكريم علماء العصر الحالي لإنجازاتهم ولتشجيع غيرهم على مواصلة الإنجاز، فإن من الإنصاف أيضاً ألا ينسى العالم فضل العلماء الأوائل الذين بدون إسهاماتهم ما كان للمعاصرين أن يحرزوا كل هذا التقدم.