عبد الله باخشوين
** أهم وأخطر ما في (الكتابة الإبداعية) بشكل خاص.. يكمن في قدرة (الكاتب) على السيطرة على العمل أو (النص) الذي يكتبه.. وأذكر أنني تحدثت في هذا مرتين مع (مبدعين)، غضبًا مني ربما لأن أسلوبي في الكلام (دبش وعفش) أو على الأصح غير (مهذب) ولا يراعي مشاعر الناس.
قلت لعبده خال:
-يا أخي مشكلتك أن (النص) يخلص وانت مستمر في الكتابة.. ولو تحذف نصفه يطلع ممتاز؟!
وبطَّل يكلمني فترة طويلة.. إلى أن خجل بعد أن قلت ممازحاً: (يا هو يا عبدة السلام لله).
ومرة قرأ لي هاشم الجحدلي قصيدة فقلت:
-هذي قصيدتين..خلصت الأولى ودمجتها بالثانية؟!
قال بدهشة:
- أمس قرأتها على الشاعر الكبير أدونيس فقال الكلام نفسه لكني كاتبها قصيدة واحدة من مقطعين؟!
أما أحرج المواقف، فقد كان قبل سنوات ليست قليلة حيث كنت أشارك في أمسية قصصية أقامها نادي جدة الأدبي في فندق (العطاس) بمشاركة الصديقين: (جارالله الحميد) و(عبدالعزيز الصقعبي)، وخلال قراءة جارالله لقصته.. ربما يكون قد توقف ليسترد أنفاسه.. فما كان من (الحضور) إلا أن (صفقوا) استحسانًا لتلك النهاية.. وفوجئنا بجارالله يقول لهم: (بس القصة لسا ما انتهت) ومضى يكمل.
طبعًا لا أزعم أنني أفضل ممن أشرت إليهم أو غيرهم.. غير أنني تعلمت بعض التقنيات من الذين كنت أعرض عليهم قصصي قبل نشرها وأولهم زوجتي، حيث إن انطباعها الأولي هو مؤشر أساسي، فإذا لم تعجبها القصة بعد القراءة الأولى أدرك أن بها خللاً ما وأتركها فترة قد تطول أو تقصر ثم أعود لقراءتها من جديد فأدرك الخلل وأعيد الكتابة.
وعندما كنت أدير محل (الفيديو) في (أبو عريش) كنت أرسل مسودة القصة للمرحوم الصديق فاروق البقيلي- الذي أسميت ابني فاروق على اسمه من شدة حبي له - وكان أيامها يعيش ويعمل مع الصادق النيهوم في موسوعة (بهجة المعرفة)، ويأتيني الرد أما بنشر القصة في مجلة (كل العرب) التي أصدرها الأستاذ ياسر هواري من باريس أو أعيد النظر فيها بعد فترة من الزمن.. أو ربما أهملها نهائياً.
لكنه تدخل مرتين وباتصال تلفوني.. مرة بعد أن قرأ قصة (يقظة مبكرة)، وكنت قد كتبت بعد (النهاية) التي ظهرت بها ما يقرب من صفحة ونصف الصفحة، وأشار مشدداً على النقطة التي انتهت عندها القصة. اتصل مرة أخرى ليغير عنوان قصة (موت رجل ميت).. إلى العنوان الذي نشرت به (موت أيوب).. أما قصة (حالة إصغاء) فقد أرسلتها للصديق الأستاذ صبري العسكري الأديب والمحامي، وبعد جلسة صفاء في القاهرة أوضح لي حقيقة أن ليس كل ما يكتبه الكاتب يستحق النشر، بل إن النشر أحياناًً يسيء إلى الكاتب ويجعل النقد يركز على أعماله الرديئة مثلما يركزون -منذ فترة ليست قصيرة- على الأخطاء النحوية والإملائية لصرف النظر عن المضمون والتقليل من شأنه.
غير أنني في نهاية الأمر وجدت نفسي استعين بنقطة قوة كنت قد نسيتها أو تجاهلتها أو استفدت منها بشكل محدود، وتلك هي (تجربة العمل الصحفي) التي هي خير معلم للاختصار والتركيز على حيثيات المضمون وعدم الإسراف في اللغة، حيث إنها تحيلك للنثر وتخلصك من الأسلوب الشعري الذي يجعلك تنحرف عن جوهر النص وتدخل في الحالة التي أشرنا إليها في البداية.
أما حالياً فأجدني بعيدًا عن الكتابة الإبداعية، وعندما (أهمّ بها) أجدها (تهجم) عليَّ خليط من الفصحي والعامية في أسلوب (السرد) كما هو الحال في (مراهقة الكبار)... إلى أن أصبحت أفكر جدياً في كتابة دراما تلفزيونية وخصوصًا أنا أرى - حتى تلفزيوننا السعودي- أصبحت عناوين برامجه كلها أو أغلبها بالعامية دون سابق إنذار أو مبرر مقنع.. ليبدو وكأن الروح (المحلية) هي التي فردت ظلها كشراع يغطي الأفق أو كأن الإنسان أصبح في مواجهة مباشرة مع واقعه الخاص وهمه الأكثر خصوصية.. بعد أن وجد أن الأفق العربي والروح العربية انسحبا وأعاداه لرحمه الأول وهمه الأول وحلمه الأول أيضاً، وأصبح يريد أن يقدم نفسه للآخرين بذاتية تريد أن تفرض على الآخر التفاعل معها وفهمها بروح تقترح نديتها وتكاملها.