بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت دراسة بحثية أهمية بناء الاقتصاد الإسلامي مع الأخذ في الاعتبار الخصائص الإيمانية وسائر جوانب العقيدة الإسلامية، مع دعم اشتمال تعليم الاقتصاد الإسلامي على العلاقة بينه وبين الجانب الإيماني والمعتقد الصحيح.
وشددت الدراسة البحثية المعنونة بـ«الخصائص الإيمانية للسلوك المالي في الإسلام» التي قام بها الدكتور فهد بن عبدالرحمن اليحيى أستاذ الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم، شددت على تشجيع الشراكة العلمية بين تخصص الاقتصاد وتخصص العقيدة في الجامعات الإسلامية، وتجديد الخطاب الإسلامي تجاه الآخرين بربط الجانب الاقتصادي بالعقيدة الإسلامية.
وخرجت الدراسة البحثية بعدد من النتائج ومنها: أن العبودية من أعظم ما يتميز به السلوك المالي في الإسلام، والاقتصاد الإسلامي، حيث إنه علماً وعملاً هو تعبد لله تعالى، والسلوك المالي في الإسلام لا يخرج عن التعبد لله تعالى بفعل المأمورات واجتناب المنهيات لأن حياة المسلم هي كذلك، وهناك مرتبة عالية في السلوك المالي في الإسلام وهي حين يهدف إلى قصد الصدقة والبر؛ بل ربما كان قصداً مستقلاً بمعنى أن يقدم المسلم جهده وعمله وممارسته المالية لقصد الصدقة فقط، وهذه مثالية عالية جداً لا تخطر على بال الأنظمة الأخرى، ولو حققنا التعبد في السلوك المالي ولو بالحدّ الأدنى منه فإن ذلك سينعكس على أداء هذا الاقتصاد والذي لن يكون له نظير في العالم حيث سيحقق قصد التعبد أهدافاً نبيلة جليلة من أهمها الرقابة الذاتية.
وأبانت الدراسة اعتقاد أن الله وحده هو الخالق وهو المنفرد بالحكم سبحانه، ومن آثاره المرجعية العليا الموحدة والثابتة في التشريع المالي، وعدم خضوع هذا النظام المفصلي في حياة الأمم إلى اجتهادات بشرية قد تكون واقعية تحت تأثير معين أو رغبات خاصة، أو تفتقد الشمولية والنظرة المستقبلية لقصور البشر مهما بلغ اجتهادهم، والإيمان بأن الله هو الرزاق وحده، فالاقتصاد المادي يقوم على أساس العلاقة المادية البحتة في الحصول على الثروة، وهذا بدوره سيقطع الاعتبار لأي أخلاقيات في السوق؛ بل سيتحول السوق إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف وهذا ما يحدث في بعض الحالات، مع الإيمان بالكتب السماوية والرسل عليهم السلام والملائكة الكرام، وقد وضحت علاقتها بالسلوك المالي في الإسلام ومن ذلك أصول وأحكام اتفقت عليها الكتب السماوية يزيد ذلك من أهميتها والعناية بها والدعوة إليها ولاسيما في مخاطبة الآخرين، كاتفاق تلك الكتب على تحريم الربا، وأن الإيمان باليوم الآخر وأن الغاية العظمى هي الآخرة، فلو افترضنا مجتمعاً كل أفراده على هذا الاعتقاد، وينطلقون في معاملاتهم منه فلسوف تتلاشى كثير من التجاوزات والتي هي من آفات الاقتصاد ومعوقاته وهي من أسباب انهيارات الأسواق المالية كالنجش والغش والتدليس والربا والقمار وغيرها.
وأكدت الدراسة التعلق بالله وحده، فحين تتعلق النفوس بالله سبحانه وحين يكون رضاه الغاية الأولى فمن ثمراته القضاء على الجشع والطمع، وتهذيب ما في النفوس من الشح؛ فإن التعلق بالله والتوكل عليه ستخفف بحسب قوة التعلق من غلواء الجشع الذي جبلت عليه النفوس، وهكذا يجب تقوية التعلق بالله سبحانه من أجل تحقيق حماية النفوس من الجشع والتعدي ومن ثم حماية السوق من فيروسات الفساد والتي إذا انتشرت أدت هلاكه، وكذلك التوكل على الله، ومن ثم ارتباط وثيق بين (الإيمان بأن الله هو الرزاق - التعلق بالله -التوكل على الله- الإيمان بالقضاء والقدر)، فهذه كلها لها أثر بالغ في تهذيب السلوك المالي والحدّ من الجشع والطمع فيه، والإيمان بالقضاء والقدر، فنظرة الاقتصاد التي لا تنطلق من هذا الإيمان تتسم بالتشبث بالأسباب المادية، والمبالغة في اعتبار تلك الأسباب حيث يعتقد الفرد أنها السبب الأول والأخير، ويؤدي هذان الأمران إلى وضع الحلول المادية وفق ذلك، وهذا بحد ذاته مغاير تماماً لاعتقاد المسلم ونظرته حيث يعتقد أن جميع ما يحدث مقدر من الله وأن عليه الأخذ بالأسباب دون تعلق بها، ودون مبالغة فيها، مشيرة إلى أن الإيمان بوجود الثروات والأقوات والأرزاق، حيث تتردد في المصادر الاقتصادية كلمة (الندرة) كثيراً ويقصدون بها أن الموارد قليلة في مقابل كثرة حاجات البشر، وقد ذكرت من الآيات والأحاديث ما يثبت أن الله تعالى خلق في الأرض ما يكفي البشر، بل ما يكفي جميع المخلوقات، وأن الاستغلال للموارد التي خلقها الله تعالى ليس هو المشكلة لما يصّورها البعض، وإنما المشكلة في ظلم البشر لبعضهم، وإهدارهم لنعم الله بطراً وسرفاً، وأن الله خلق التفاوت بين الناس في المواهب والمقدرات، وهذا التفاوت ليس لمصلحة أحد دون أحد، وهو إقرار بوجود هذا التفاوت واستحقاق كل عامل ما كسبت يده بخلاف النظام الاشتراكي مثلاً الذي يسوي بين الناس في الاستحقاق.