د. خيرية السقاف
الثرثارون كثير يبذلون جهدهم بألسنتهم، وهناك من لا يكلون تريثا، وتفكيرا، فنتائج، وإنجاز..
الثرثارون يجعلون من الأحداث مادة يلوكونها، يغذون فضولهم بهوامش ما يأخذون عنها، ثم يطلقون أصواتهم، والنتيجة، صداع يصيب كل من يسمعهم..
المتريثون يفعلون، ويفكرون، ويبحثون، ثم يأخذونك طال الوقت بصمتهم، أو قصر إلى الحقائق، والنتائج، والحلول..
إنهم يكسبون، ويتفوقون..
والأمثلة كثيرة للتفريق بين من يثرثر، ومن يفعل..
كآخر الأدلة سقوط الطائرة الأثيوبية، وتلك التي سبقتها سقوطا مروعا في أندونيسيا، كلاهما صناعة واحدة، ومسمى واحد، وعن مصدر واحد..
الثرثارون تباكوا، هرفوا في خبرها بما لم يعرفوا، تعاطفوا بالدمع، والحنق بسطحية مفرغة، بينما أولئك بجدية جعلوا من الأمر قضية بحث، ومتابعة، وتحليل، واستكشاف، ووصول إلى نتائج أولية من واقع بقايا الطائرة وصندوقها الأسود، ولا يزالون..
الثرثارون لا نتائج لما يقولون، أما الفاعلون فقد حققوا الوصول إلى قرار دولي بإيقاف استخدام هذا النوع من الطائرات، وإن كانت خسائر الدول عن شرائها فادحة..
الثرثارون الآن لا يكلون، ولا يهدؤون في الثرثرة الهشة عن حادثة الإرهابي الأوروبي الذي اغتال المسلمين في نيوزيلاند، فبكامل أصواتهم كان عليهم أن يتفقوا على لغة الخطاب بقلب الصورة على وجهها الآخر، الصورة التي كرس لها الغرب جل أصواتهم، ووسائلهم، وإعلامهم، وأفرادهم حين جعلوا المسلم هو الإرهابي فوق الأرض، وأنه المصدِّر للإرهاب بين البشر، بينما لم يفعل الثرثارون من المسلمين ما يعكس هذه الصورة على وجهها الآخر، ليس بهذه الحادثة الأخيرة غير الإنسانية من الإرهابي الأوربي الحاقد القاتل في نيوزيلاندا فقط، بل بكل الذي جرى ويجري في العالم ممن هم على شاكلته، كأولئك المغتالين الأوربيين، والأمريكيين، والصهاينة الذين جميعهم بشتى وسائل الاغتيال هم الإرهابيون، عصاباتهم، وأفرادهم، وأحزابهم، ومفكروهم، ومؤثروهم، وإعلاميوهم، أولئك المصادر للمكائد، وللاستعمار بأنواعه، وللاغتيالات الملونة، والصريحة منها..
ومع كل أولئك هناك بينهم ومنهم أصوات نقية، يمكن أن تكون حداة للثرثرة المنتجة في شأن استغلال الحدث لقلب الصورة، أولها صوت الفتى الشجاع قاذف السيناتور الأسترالي بالبيضة الذي قال: «كانت هذه هي اللحظة التي شعرت فيها بالفخر لوجودي كإنسان، اسمحوا لي أن أبلغكم جميعا بأن المسلمين ليسوا إرهابيين، والإرهاب ليس له دين، كل أولئك الذين يعتبرون المسلمين جماعة إرهابية لديهم رؤوس فارغة» _ (عن حساب د. أحمد قران الزهراني/ تويتر)_..
والصوت الثاني أولئك الذين وقفوا جوار مساجد المسلمين عند صلاتهم ليحموهم من إرهابيين فيهم، في دول مختلفة من العالم الغربي، تضامنا وشعورا بالمسؤولية الإنسانية، وإن جاءت من أفراد، لكنهم مؤونة لا يستهان بها في شأن قلب الصورة..
أما الصوت الثالث فأولئك الثلة الكثيرة من سكان نيوزيلاندا الأصليين «الماورى» الذين تجمعوا وأدوا معا رقصة الحرب التقليدية «Haka» متضامنين مع ضحايا المسجدين جراء هجوم الإرهابي في بلادهم، وهي رقصة معبرة عن الغضب، والعزم على محاربة الإرهاب، وحماية الإنسان..
إن الأحداث دافع للتفكير، ومتى ما جاء إيجابيا، جاء الفعل مثمرا..
فلا للثرثرة المفرغة من نتائج تُكتسب في عالم يموج بالتناقض لا يبلغ فيه غاياته سوى من أدرك أن الوعي قوة، والاستثمار بالوقت وعي..