د. يوسف بن طراد السعدون
سوف يتحكم الذكاء الاصطناعي قريبا بكافة أمور الحياة الإنسانية ويغير مقومات عديدة في مفاهيم العلوم والطب، والاقتصاد والاجتماع والقانون والتنمية ككل، بإمكانياته المتمثلة في مجموعة من السلوكيات والخصائص للأنظمة الحاسوبية تشابه الأداء البشري مع قدرة على التعلم والاستنتاج. ويعد الإنسان الآلي (الروبوت) أحد مجالاته الهامة. ويستخدم الذكاء الاصطناعي حاليا في: التحكم الآلي، وتخطيط الحركة، وتمييز الأصوات، وتمييز وتحليل الصور، ومحركات البحث على الإنترنت، ونشاطات عديدة أخرى. ويقدر أن تبلغ مساهمته بالاقتصاد العالمي عام 2030 ما يقارب 15,7 تريليون دولار، وفقا لتقرير «تقدير الجائزة» الذي أصدرته شركة برايس واترهاوس كوبرز.
من جانب آخر، هناك تكاليف ستترتب على هذا الذكاء الاصطناعي، يجب أخذها بالاعتبار. أحدها، هيمنة (الروبوت) المتوقعة على الكثير من الوظائف، حيث أظهرت التوقعات بتقرير (القوى العاملة للمستقبل) لشركة برايس واترهاوس كوبرز، أن (الروبوت) سوف يتولى بحلول عام 2030 أداء 37 % من الوظائف التقليدية التي يقوم بها الإنسان حاليا. كما أن غياب تنظيم دولي شامل لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي يعد أمرا شديد الخطورة، ويزيد كثيرا من حجم التكاليف المترتبة. وفي هذا الشأن استعرضت السيدة جوليا بوسمان (Jullia Bossmann,Top 9 ethical issues in artificial intelligence, WORLD ECONOMIC FORUM) تسع قضايا أخلاقية متصلة يتوجب تقنينها. وتمثلت في (البطالة: ماذا سيتم بعد إحلال (الروبوت) بدلا من الإنسان؟، وعدم العدالة: كيف سيتم توزيع الثروات؟، والإنسانية: كيف ستؤثر الآلات على تصرفاتنا وتعاملاتنا؟، والغباء الاصطناعي: كيف تكون الحماية من الأخطاء؟، والعنصرية: كيف يتم إلغاء عنصرية (الروبوت) التي يزرعها فيه من برمجه؟، والأمان: كيف نضمن عدم استخدام الذكاء الاصطناعي في الخصومات؟، والجني الشرير: كيف نحمي أنفسنا من العواقب الغير مقصودة إذا ما الذكاء الاصطناعي انقلب ضدنا؟، والتفرد: كيف ننظم احتكار التحكم بنظام معقد للذكاء الاصطناعي؟، وأخيرا حقوق (الروبوت): كيف نحدد إطار تعامل البشرية معه؟). وخطورة الأمر قد تصل لدرجة تدمير الأرض. وهذا ما حذر منه العالم الراحل ستيفن هوكينج بمقابلة مع البي بي سي في ديسمبر 2014، حيث قال إن (التطوير التام للذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى نهاية العنصر البشري). وأوضح (أن ما تم تطويره حتى الآن أثبت جدواه، ولكن الخوف من تبعات اختراع (روبوت) شبيه أو أكثر قدرة من الإنسان)، عندها بحد قوله (سوف ينطلق متحكما بنفسه، ويستطيع إعادة برمجة ذاته بمعدلات متزايدة وسيكون خارج سيطرة بني البشر). وشاركه تلك المخاوف، علماء آخرون مثل: الون موسك (Elon Musk) رئيس تسلا، والعالم البريطاني كليف سينكلاير (Clive Sinclair)، ومؤسس شركة مايكروسفت بيل غيتس (Bill Gates)، كما ورد في جريدة الواشنطن بوست بتاريخ 29 يناير 2015. وأكدها أيضا، أكثر من 1000 عالم ومخترع، برسالة موجهة إلى الأمم المتحدة، وفقا لما أشارت إليه في 27 يوليو 2015 (Business Insider).
وبالتالي، فان العالم أحوج ما يكون لقانون دولي ملزم ينظم حوكمة الذكاء الاصطناعي. فالأشهر الآن، عُرف مبني على القوانين الثلاثة للروبوتات، لإسحق اسيموف مؤلف روايات الخيال العلمي. وهي قوانين كتبها ليلتزم بها (الروبوت) في روايته «التملص» (1942 Isaak Asimov, Runaround). وتشتمل على: (1/ لا يجوز (للروبوت) إيذاء أو السكوت عما قد يسبب أذى للبشر، 2/ يجب على (الروبوت) إطاعة أوامر البشر ما لم تتعارض مع القانون الأول، 3/ يجب على (الروبوت) المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني). ثم أضاف أسيموف لاحقاً القانون صفر، وهو: (لا ينبغي لأي (روبوت) أن يؤذي الإنسانية بعدم القيام بأي عمل أو أن يسمح للإنسانية بإيذاء نفسها).
وهناك جهود متواصلة تسعى إلى بلورة أدلة ونماذج لحوكمة الذكاء الاصطناعي، بهدف ضمان تسخيره لخدمة الإنسانية. ومنها: دراسات في الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، ومقررات لنتائج الندوات والمؤتمرات التي عقدتها المنظمات الدولية، وأدلة وإجراءات طورتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وأخيرا نموذج للحوكمة عرضته سنغافورة في يناير الماضي بمنتدى الاقتصاد العالمي.
وأخذا بالاعتبار المعطيات السابقة، وحيث إن المملكة العربية السعودية، التي أولت اهتماما كبيرا لتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وشرعت بتأسيس مدينة نيوم بالكامل وفق تقنياته، سوف تستضيف قمة مجموعة العشرين عام 2020 ، فليس من المستحيل أن يصبح الحلم والأمل حقيقة، ويسجل التاريخ للسعودية تبنيها مبادرة لخدمة الإنسانية، ترعاها منظمة الأمم المتحدة، تتضمن:
1- اختيار موضوع حوكمة الذكاء الاصطناعي محورا رئيسيا لقمة مجموعة العشرين عام 2020 .
2- البدء بتشكيل فريق عمل لصياغة بنود قانون دولي لحوكمة الذكاء الاصطناعي، يشارك فيه: مجموعة ممثلة للعلماء والباحثين، والمنظمات المتخصصة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأعضاء مجلس الأمن الدائمين، وممثلين عن دول مثل سنغافورة ودولة الإمارات العربية المتحدة - الدولة العربية الوحيدة التي اعتمدت استراتيجية خاصة بالذكاء الاصطناعي وعينت وزيرا له.
3- تأطير القانون المقترح في معاهدة باسم «معاهدة نيوم الدولية لحوكمة الذكاء الاصطناعي»، ليوقع عليها بالمرحلة الأولى القادة المشاركون بقمة العشرين في مدينة نيوم، ثم تطرح للتوقيع لاحقا من كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
4- تأسيس، وفقا للمعاهدة، وكالة دولية لحوكمة الذكاء الاصطناعي ترتبط بالأمم المتحدة، على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتستضيف مدينة نيوم مقرها الدائم.
ختاما: من المهم إدراك أن الأبحاث والتطبيقات المتصلة بالذكاء الاصطناعي تنمو بسرعة هائلة، ولكن المجتمع الدولي لم يتحرك بنفس السرعة لمجاراتها. ومن الضرورة أن يعي العالم العربي قول شاعرهم المتنبي «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» فيستعدوا جيدا لحقبة الذكاء الاصطناعي القادمة.