د. خيرية السقاف
دعونا نتخيّل لو جاء حدث «نيوزيلاندا» الإرهابي الأخير في دولة غير «نيوزيلاندا»، هل ستكون ردة الفعل ممن يتقلّد منصب رئاسة الوزراء كالذي جاءت به إنسانية، ومسؤولية رئيسة وزراء نيوزيلاندا «جاسيندا أرديرن» في مواقفها المتلاحقة في الحدث؟..
ففي شاهدنا فإن مواقفها أظهرت شعورها الإنساني المحض، والقيادي المتميز، سواء في ملامحها، ولغة جسدها تحركاً، ومواساة، وحزناً، وفجيعة، وخجلاً، ومشاركة، ونزولاً للميدان، أو في خطابها، وتصريحاتها خاصة للمسلمين، ولعامة المجتمع الدولي تعبيراً ناطقاً حاسماً لدورها القيادي، ولحضورها الفوري، وللغة خطابها المسؤول!..
ما أخذ الناس في بلادها بقوة لأبواب أشرعتها لهم للتعبير بحرية لكل الفئات منهم، والجماعات، والأفراد، ليس في بلدها، بل في بلدان متفرِّقة من العالم بكل ديانات أهلها مسيحيين، ويهوداً، وهندوساً، ولا دينيين، و.. و..
وفي هذا ما حرَّض بذور الإنسانية، وأجَّج دوافع التعبير، ومنح مساحات الحرية الذاتية لهم لتشنَّف أسماعهم في وقفة مهابة للأذان الصادر عن مسجد المسلمين، وليلجه منهم نفر ليس بالقليل يشاهدون المسلمين وكيفية أدائهم صلاتهم، ولدعائهم، ومن ثم يتعرَّفون على شعيرة من شعائر دين الإسلام، ويقتربون من نبع إيمان المسلم، وليتسالموا مع المسلمين بهدوء، واحترام في لحظات ممارسة صلاتهم، ناهيك عمَّن رفع لوحات الاحتجاج عن جريمة إرهابية مسيئة لكل المفاهيم السلمية، والأعراف التعايشية، والأخلاق الإنسانية، ونُدِّد بها بمختلف أساليب التعبير..
أوَ لم تكن المساجد في مدنهم من قبل؟ أوَ لم يكن يُرفع صوت الأذان خمس مرات في كل يوم، ويصلهم صوت النداء، ولم يكن أحد منهم يلتفت إليه، ولو تفكراً؟..
إن الجريمة حمقاء وفاحشة، وهي ليست مبررَّة بكل المقاييس، لكنها جاءت كالمضرة النافعة، أظهرت نموذجاً للقيادية المؤهلة بالإنسانية لترسيخ قيم التعايش السلمي في وطنها، ولتحرِّض تفعيله بين قادة الأمم خارج وطنها «نيوزيلاندا»، وهي قد منحت معنى الحرية في التعبير عن الموقف من الأديان لشعبها بموقفها النموذجي، وبقدوتها الإنسانية المسؤولة، وقد أكدت أن («الإرهاب» ليس له دين»)...
من جانب آخر يبدو أن مسؤولية المسلمين الآن، أن يلتفتوا لدينهم ليظهروا سلمه، ويؤكدوا سلامه، وليلتفوا حول ثوابته، ولا يخلخلوها باختلافهم الدائم، والمستَجد في موروثه العظيم، وأن يكونوا واعين به وعي خبيرٍ، لا قطفَ جارحٍ، وأن يكونوا به الأقوياء عملاً يدعو إليه، وعماراً هو مبدأ تعاليمه، ويقيناً هو قاعدة ثباته..
ولتكن هذه الحادثة دافعاً لاستلام لجام المضمار..
فقد أسلم عنها من أدرك وميض نوره، وشعر بوقدة شمسه..
والشهداء عند ربهم يحفلون..