د. محمد بن صالح الحربي
ليندسي غراهام هو سياسي أمريكي، وعضو في الحزب الجمهوري، وشغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كارولينا الجنوبية منذ عام 2003، وعُرف بعلاقته الجيدة بالسعودية، وإطرائه لها في مناسبات عديدة، منها موقفه الإيجابي من حرب استعادة الشرعية في اليمن، ودعمه لها لتقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2016 استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مكتبه بقصر اليمامة وفدًا من الكونجرس الأمريكي برئاسة «غراهام»، وفي إطار تلك الزيارة التقى السيناتور الأمريكي أيضًا الأمير محمد بن سلمان الذي كان يشغل وقتها منصب ولي ولي العهد.
الحملة المفاجئة! والتحريض ضد السعودية
بدا السيناتور غراهام حملته ضد السعودية لقضية جنائية بحتة، ومحاولة تسييسها، وبالرغم شمن أن المملكة أغلقت ملف قضية خاشقجي بإعلان النيابة العامةئ نتائج التحقيق مع المتهمين بقتله، وتقديمهم الجناة للعدالة، إلا أنه لا يزال مع البعض يحاول سكب الزيت على النار للظفر ببعض المكاسب السياسية، خاصة في الدوائر السياسية الأمريكية. والمتابع لـ»غراهام» في الفترة الأخيرة سيجد أنه يقود حملة تحريض شعواء ضد المملكة في الكونجرس الأمريكي سعيًا خلف توقيع عقوبات أمريكية، أو إجبار الإدارة الأمريكية على اتخاذ موقف أكثر تشددًا مع حليفها الوثيق، غير عابئ بالضرر الذي قد يحدثه بالعلاقات القوية التي تربط البلدين منذ اللقاء التاريخي الذي جمع المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن الطراد الأمريكي «كوينسي» في البحيرات المرة بقناة السويس في مصر عام 1945م.
الغريب في الأمر هو التحول المفاجئ في قناعات «غراهام»، وموقفه الذي تغيّر 180 درجة تجاه المملكة؛ فالرجل - كما أسلفنا - (عُرف بعلاقته الجيدة بالسعودية، وإطرائه لها في مناسبات عديدة، وموقفه الإيجابي من حرب استعادة الشرعية في اليمن، ودعمه لها لتقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط).
غراهام وقطر!
نسطيع القول إن علاقة ليندسي غراهام اتضحت في فبراير 2018 بعد زيارة قام بها عبد الله بن محمد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، لولاية ساوث كارولينا في فبراير 2018؛ لبحث فرص الاستثمار في الولاية، وإنعاش اقتصادها الذي لا يدخل ضمن قائمة أهم اقتصادات المدن في أمريكا، ورغم ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم، تقوم بموجبه الدوحة ومدينة تشارلستون (ثاني أكبر مدن ولاية ساوث كارولينا) بتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية.. وشملت الزيارة أيضًا الحديث عن الاستثمار في العقارات والبنية التحتية والقطاعات الأخرى، بحسب ما ذكرته الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية.
توطدت العلاقة بالدوحة أكثر فأكثر بعد زيارة «غراهام» للسفارة القطرية بواشنطن، ولقائه وزير الدفاع القطري في مطلع أغسطس الماضي للحديث حول العلاقات العسكرية بين البلدين، بحسب التصريحات الرسمية آنذاك.
شكّل ذلك نقطة تحول مفاجئة، وتغيَّرت لهجة «غراهام» تجاه المملكة التي أصبحت أكثر حدة، وأصبح الرجل أحد أشد المحرضين ضد المملكة، ويتزعم مجموعة تحاول تعكير صفو العلاقات السعودية - الأمريكية الاستراتيجية.
كذلك لا نغفل الإشارة أيضًا إلى السيناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ونائبه السيناتور بوب مينديز ومواقفه المعادية تجاه المملكة، التي اتضحت في شهر يونيو الماضي 2018، واجتماعه بوزير خارجية قطر خلال مأدبة غداء بواشنطن، بحثا فيها العلاقات بين أمريكا وقطر، وتزامن ذلك مع تزايد الضغوط الدولية على قطر وانكشافها بدعمها الإرهاب.
ولا نغفل ما حدث عام 2013 بعد سقوط حكم مرسي والإخوان؛ إذ قام السيناتور الراحل جان ماكين وليندسي جراهام، العضوان النافذان آنذاك في المعارضة الجمهورية، بزيارة إلى القاهرة بطلب من الرئيس باراك أوباما لحث النظام على تنظيم انتخابات، ومحاولة إنقاذ حكم الإخوان. قال ليندسي غراهام لقناة «سي بي إس» قبل الزيارة بأسبوع: «إن الرئيس طلب من السناتور ماكين ومنه شخصيًّا الذهاب إلى مصر لمهمة تتمثل في الإلحاح بشكل توافقي على ضرورة حل المشكلة». وأوضح جراهام الذي نقل تلك الرسالة مع ماكين (المرشح السابق إلى الانتخابات الرئاسية في 2008): «لقد ولى الزمن الذي كنا ندعم فيه الأنظمة العسكرية». مؤكدًا أن «الربيع العربي واقع حقيقي». كما أكد جراهام أنه ينوي مع زميله «التباحث مع القادة العسكريين السياسيين، بمن فيهم الإخوان المسلمون». وذكر غراهام في المؤتمر الصحفي في نهاية الزيارة أن واشنطن لن تستمر في دعم مصر ما لم تسِر في طريق التحول الديمقراطي. وقال: «نحن لن ندعم مصر وهي لا تتحرك نحو الديمقراطية، ومساعداتنا سترتبط بما هو أفضل لمصر وللعالم وللمنطقة». وأضاف بأن الربيع العربي أثر على الولايات المتحدة وسياستها في الشرق الأوسط، وأنها تعمل لتجنب «أسوأ كابوس»، وهو أن تتحول مصر إلى دولة فاشلة.
سبق لغراهام إظهار عداءه للرئيس ترامب، واتخاذه موقفًا مسبقًا غير ودود منه. ظهر ذلك بعد فوز «ترامب» بترشيح الحزب الجمهوري للتقدم للرئاسة عام 2015، وهو ما فشل فيه «غراهام» الذي انسحب من السباق مبكرًا، فقال حرفيًّا موجهًا انتقادًا لاذعًا لدونالد ترامب: «سوف يمزق الحزب، سوف يقسّم المحافظين، وسوف نخسر أمام هيلاري كلينتون، وسيحظى الديمقراطيون بولاية ثالثة».
وفي يوم فوز ترامب في ولاية إنديانا، وحصوله فعليًّا على ترشيح الحزب الجمهوري، كتب على «تويتر»: «إذا رشحنا ترامب سوف نهلك.. وسوف نستحق ذلك».
وكان رد جوردن ساشتيل الإعلامي الأمريكي البارز بأن وجَّه نقدًا لاذعًا للسيناتور غراهام، وأيد الموقف المعتدل الذي اتخذه الرئيس الأمريكي وإدارته التنفيذية ممثلة في وزير الدفاع السابق جيم ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتن من حادثة «خاشقجي»، ورفضهم محاولات تسييس القضية، والمحافظة على العلاقات الاستراتيجية السعودية - الأمريكية.
موقف مثير للشك, خاصة أنه كان من أشد الداعمين لسياسات المملكة كما ذكرت ذلك سابقًا، لكنه تحوّل تحولاً مفاجئًا في قناعاته وموقفه المتبدل تجاه المملكة، رغم علاقته الجيدة بالسعودية، وإطرائه لها في مناسبات عديدة، وموقفه الإيجابي من حرب استعادة الشرعية في اليمن، ودعمه للمملكة لتقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.. لكن يبدو أنه تخلى عن القيم والمبادئ الأمريكية الرفيعة.