عطية محمد عطية عقيلان
أقيمت الألعاب الأولمبية الخاصة عام 1991م في ولاية منسوتا الأمريكية وكنت من المشاركين الإداريين فيها، وكانت هذه أول مرة أسمع بها كلمة متطوّع (VOLUNTEER)، حيث إن كل العاملين في التنسيق والإشراف والعلاقات العامة والحكام هم من المتطوّعين، وأغلبهم يحرص أن يكون موجوداً في هذه المناسبة (بأخذ إجازة من أعمالهم أو جامعاتهم). والألعاب الأوليمبية الخاصة تهتم بمشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الألعاب الرياضية لتحفيزهم بالانخراط في المجتمع وتشجيع ذويهم على الاستفادة من مواهبهم الأخرى رغم ما يمر بهم من إعاقة. وكانت تجربة فريدة بالنسبة لي ومؤثّرة وخصوصاً ان المتطوّعين من مختلف الأعمار والمهن ويتعاملون برقي ومسانده للجميع.
فرغم أني مررت بتجارب متواضعة خلال السنوات الماضية في التطوّع كجمعية الأطفال المعاقين ومرضى السكري والمحافظة على البيئة إلا أنني تذكّرت تجربة أمريكا عند قراءة خبر وزارة الصحة أنه في اليوم العالمي للتطوّع بلغ عدد المتطوّعين 30 ألفاً، وأيضاً شدّني خبر عن إحصائية عدد المتبرعين بالدم، (حيث تصدرت السعودية أعداد المتبرعين على مستوى 28 دولة حسب الخبر في جريدة مكة عدد 30 يونيو 2018م)، إذاً هناك رغبة جامحة لدى الأغلبية في التطوّع بأوقاتهم أو مهاراتهم أو علمهم ولكنهم لا يعرفون كيف أو أين يذهبون، فهم لا يجدون حاضنة معلنة سهلة الوصول للعمل التطوّعي في مختلف المجالات وتكون بشكل ممنهج وفق ضوابط إدارية وبيانات وبرامج متقنة تستفيد من الخبرات وتجارب الآخرين مع اقتراح أن يتم تدريب وتعليم الطلاب في المدارس والجامعات (من خلال ساعات إجبارية للتطوّع)، فكثير من الدول تنبهت إلى أهمية العمل التطوّعي للطلاب في مختلف المراحل الدراسية، لأنه يحقق أهدافاً تربوية، فالمساهمة في بناء مجتمعاتهم تعزِّز الانتماء ويتدربون على تحمّل المسؤولية واستغلال أوقاتهم في كل ما هو مفيد، وبملاحظة شخصية في كل من قابلتهم لديه الرغبة أو الاستعداد في العمل التطوّعي بما يعرفه أو يملكه، بل كثير منهم يتمني أن تكون هناك آلية أو جهات سهلة الوصل يستطيع أن ينضم إليها في ركاب المتطوّعين، لا سيما أن ديننا الحنيف وثقافتنا العربية تحث على تقديم يد المساعدة وبذل النفس والمال والجهد في خدمة الناس والمجتمع.
أتمنى أن نرى في القريب العاجل مبادرات تطوّعية منظمة على مدار العام تشمل كافة مناحي الحياة ومختلف المناطق والمدن، تظهر تضافر وتكاتف جميع أفراد المجتمع وتحفّز الآخرين للانضمام لها، فهل نرى مشاهدات ملموسة على كافة المستويات على سبيل المثال:
- أن نرى عيادات طبية تطوّعية متنقِّلة في مختلف التخصصات تجوب المناطق والقرى لتقديم التثقيف الصحي والرعاية الطبية والعلاجية والدواء والتطعيمات للمحتاجين.
- وهل تقوم الغرف التجارية باستقطاب رجال الأعمال والمدراء التنفيذيين للتطوّع بشكل منظّم ومعلن ودوري بالتبرع بوقتهم ونقل تجاربهم وخبراتهم للشباب، مع استضافة محامين ومحاسبين قانونين ليرشدوا الشباب المبتدئ في التجارة على النقاط المهمة.
- الوسائل الإعلانية تخصص برامج (منتظمة) لتحفيز المتطوّعين وتشجيعهم على ابتكار برامج تطوّعية واستضافة من قاموا بالتطوّع لرواية تجاربهم وسعادتهم ورضاهم عن أنفسهم ليكونوا نموذجاً وقدوة محفّزة.
- الاستفادة من البرامج التطوّعية لغرس القيم الأخلاقية والتسامح والتعامل الحسن ومساعدة الآخرين وتعزيز مبدأ المساهمة المجتمعية.
- هناك الكثير من الخبرات للمتقاعدين من العمل (سواء المدني أو العسكري) ومن طاقات الشباب، والأطباء والمهندسين وغيرهم والذين يرغبون في المساهمة الحقيقة الفعَّالة المستدامة في بناء مجتمعاتهم وتقديم خبراتهم ووقتهم أو مالهم للعمل التطوّعي الذي في النهاية سيعود بالفائدة على الجميع. وليكن بشكل منظّم ومؤطّر وتحت جهات وحاضنات تسهّل الوصول وجمع المعلومات والاستفادة منهم على أرض الواقع بشكل فعَّال وملموس.