محمد آل الشيخ
وأخيرًا اعترف حسن نصر الله علناً أن حزبه يمر بضائقة مالية خانقة، وطلب من مؤيِّديه أن يشدوا أزره بالتبرعات وإغاثته. إيران - كما هو معروف - تمد حزب الله بما يقارب سبعمائة مليون دولار سنوياً، ربما تزيد قليلاً سنة أو تنخفض قليلاً الأخرى، غير أن الثابت أن جميع مصاريف هذه المنظمة الإرهابية -كما اعترف نصر الله- تأتيه من ملالي الفرس، وعلى حساب الشعب الإيراني المغلوب على أمره، الذي تقارب نسبة الفقراء بين مواطنيه إلى الخمسين بالمائة من تعداده. ويبدو أن حصار الأمريكيين الحازم على هذه الدولة الداعمة للإرهاب، بدأ يؤتي ثماره، وهذا ما انعكس على أذرع إيران في لبنان والعراق واليمن. أضف إلى ذلك أن ثمة قطاعاً كبيراً من الإيرانيين، بمن فيهم بعض رجال الدين أيضاً، بدأوا يُلحّون وبقوة على القيادة الإيرانية أن الداخل الإيراني يجب أن يكون له أولوية مطلقة على نشاطات إيران في المنطقة، والمتمثّلة في ميليشيات إيران، ومنها ميليشات حزب الله في لبنان.
استمرار الحصار الاقتصادي على إيران سيخلط أوراقاً كثيرة في المنطقة، وسيقلّم قطعاً من أظافر حزب نصر الله بشكل متزايد، وخصوصاً أن الاقتصاد اللبناني يمر بديون ضخمة يُقال إنها تصل إلى تسعين مليار دولار، الأمر الذي يجعل حزب الله يتنازل عن كثير من أجنداته داخل إيران وخارجها، وفي لبنان ترتبط قوة الحزب ونفوذه بقدراته المالية على وجه الخصوص، وبالتالي فإن أي تقشف في النفقات، يعني بالضرورة ضعفاً في قوته ونفوذه داخلياً، وخصوصاً أن العقوبات الأمريكية على إيران في طريقها للتضييق أكثر، وليست المشكلة (شدة) وتنفرج.
والسؤال الملح حسب هذه الحقائق والمتغيِّرات الجديدة: هل يمكن أن يستمر تمويل دولة داخل دولة كما هو الوضع في لبنان في الماضي؟
لا يمكن حتى لأكثر المتفائلين، المناصرين لهذا الحزب، أن يُجيبوا على هذا التساؤل بالإيجاب، فحزب الله دون الدعم المالي القادم من إيران هو في التحليل الأخير سيكون نمراً منهكاً يدب العجز في مفاصله، فميليشيا الحزب كأفراد تزيد على ثلاثين ألفاً، ومن السذاجة المفرطة أن تخدم أفراد هذه الميليشات لوجه الله تعالى، ودون مقابل، وتسريح جزء منهم، أو تخفيض ما يتقاضونه، سينعكس قطعاً على الحزب نفسه، فضلاً عن المأجورين من حلفائه، ولا سيما أن أولئك الأفراد لا يتقنون أي حرفة غير امتشاق البندقية، هكذا علَّمهم الحزب طوال تاريخه معهم؛ أضف إلى ذلك أن الاقتصاد اللبناني لا يمكن ألبتة في أوضاعها الحالية المزرية أن يستوعبهم، ويوفر لهم ما كان الحزب يوفره لهم في الماضي.
هناك من يقول إن تمويل حزب الله لا يأتيه فقط من إيران، وإنما من اتجاره بالمخدرات، والجريمة المنظمة، خاصة في أمريكا اللاتينية وأواسط إفريقيا، واستغلال البنوك اللبنانية كوسيلة لتبييض هذه الأموال الحرام، وقد قبضت السلطات البرازيلية مؤخراً على أحد المنتمين للحزب، في قضية تجارة المخدرات. وهذا صحيح في المجمل، غير أن قناة التمويل هذه تتعرَّض الآن إلى ملاحقة وتتبع من قبل الولايات المتحدة بشكل يجعل تدفق الأموال من هذه القناة يضيق مع الوقت، بالشكل الذي يجعل اعتماده عليها يواجه أيضاً عقبات جمة، وبشكل يتزايد في المستقبل المتوسط والبعيد، كما أن تصنيف بريطانيا الحزب بجناحيه العسكري والسياسي كمنظمة إرهابية سيُضيق على الحزب مالياً بشكل كبير، على اعتبار أن بريطانيا هي عاصمة القرار المالي في أوربا، الأمر الذي سيجعل القرار البريطاني عقبة تُضاف إلى العقبات التي يواجهها ممولوه.
وعلى أية حال فإن كل المؤشرات تؤكِّد أن حزب الله لن يستطيع أن يفلت من الحصار الذي يُمارسه العالم على إيران الخميني وعلى جرائم حزب الله المنظمة، فتجارته بالمخدرات كقناة تمويل إضافية تواجه تحديات حقيقية، تجعل استمرارها أمراً في غاية الصعوبة. وليس لدي أي شك أن المستفيد الأول من تحجيم قوة ونفوذ وإرهاب حزب الله هو المواطن اللبناني، الذي حرمه هذا الحزب وعملياته الإرهابية في داخل لبنان وخارجه كثيراً من قدراته على استقطاب ليس السياح فقط، وإنما كونه بيئة استثمارية آمنة جاذبة لرؤوس الأموال العربية، وبخاصة الخليجية منها، لتكون المعادلة هنا تقول: (ضعف حزب الله قوة للاقتصاد اللبناني والعكس صحيح).
إلى اللقاء