سليمان الجاسر الحربش
كم شفا نفسي وأبرأ سقمها (وعذراً أبا شداد) ما قرأته في بيان مجلس الوزراء مساء الثلاثاء الثاني عشر من رجب من ربط بين التنمية المستدامة والأمن المائي وحقوق الإنسان، هذه الأركان الثلاثة التي لا تنفصل عن بعضها ولا تخرج عن سياسة المملكة العربية السعودية الحكيمة في ظل قياداتها المخلصة.
ولكي نضع القارئ العادي في هذا الإطار نوضح المقصود بالتنمية المستدامة في سياق البيان، أنها الأهداف السبعة عشر التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 لتكون أجندة العالم إلى 2030 وهي تغطي كل هموم الإنسان بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو موقعه الجغرافي مستلهمة ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة من مبادئ سامية، سبعة عشر هدفاً عالجت من حيث المبدأ كل ما له علاقة بالفقر أو الجوع أو التفاوت في الفرص بين الجنسين كما تصدت لفقر الطاقة الحديثة، الأمن المائي، سلامة البيئة ثم ختمتها بالعمل على إحلال السلم وتحقيق الشمولية بين المجتمعات والشراكة الدائمة.
ولتحقيق هذه الأهداف وضعت الأمم المتحدة 169 هدفاً تفصيلياً (Targets) وأجهزة لمتابعة تحقيق هذه الأهداف.
الأهداف الموضحة على النحو السابق أتت لتخلف أهداف الألفية الثانية التي صدرت عن الأمم المتحدة عام 2000 ونجحت إلى حد ما في تخفيف حدة الفقر لكنها لم تتصدى لكل المشكلات التي تواجه العالم خاصة الدول النامية والمثل الأكثر إيضاحاً هو أنها أغفلت تماماً ما أصبح يعرف بفقر الطاقة.
تعتبر المملكة العربية السعودية من أكبر الدول الرائدة في صياغة وتنفيذ ترويج أهداف التنمية المستدامة ويكفي أن أضرب مثلين على ذلك.
الأول: يتجسد في الخطاب الذي ألقاه معالي وزير المالية في ذلك الوقت في مؤتمر أديس أبابا في يوليه 2015 الذي عُنىَ بتمويل التنمية وسبق إعلان الأهداف السبع عشرة.
وصف الوزير/ إبراهيم العساف المؤتمر بأنه «نقطة انطلاق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عالمياً بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية حيث تعتبر هذه الأهداف أكثر طموحاً وأوسع نطاقاً وأكبر حجماً مقارنة بالأهداف الإنمائية للألفية».
وشدد العساف وهو يخاطب جمعاً من رؤساء الدول وأمين عام الأمم المتحدة على عدم الخلط بين مناقشات تمويل التنمية مع غيرها من القضايا التي تناقش في منتديات أخرى. «ومن هذا المنطلق يجب فصل مسار التمويل التقليدي للتنمية عن مسار تمويل التغير المناخي» واحسبه يقصد هنا فصل عملية التمويل المناخي (الذي بالغوا في التهويل من حجمه) عن ما يخصصونه للمساعدات الرسمية المعروفة في أدبيات التنمية بمساعدات التنمية الرسمية «ODA».
ثم أكد العساف التزام المملكة بمواصلة ما تقدمه من مساعدات للدول النامية من خلال عدة قنوات على رأسها الصندوق السعودي للتنمية تلك المساعدات التي بلغت ما يعادل 6 % من الناتج المحلي على مدى العقد الماضي.
هذا الحديث وما ينطوي عليه من التزام وصدق في خدمة أهداف التنمية قبل صدورها أعلنها معالي وزير المالية وهو المهني المحترف الذي يعني ويعي ما يقول، والحقيقة أن وجود الدكتور العساف على رأس الدبلوماسية السعودية يضفي على تلك الحقائق أهمية جديدة إذ حان الوقت الذي ينبغي أن تتقاطع فيه سياسة المملكة الاقتصادية والمالية مع سياستها العامة في المحافل الدولية خصوصاً عند مناقشة حقوق الإنسان ودور المملكة في وضعه موضع الصدارة.
الثاني: الدور الريادي للمملكة في الدفاع عن حقوق الدول النامية المحرومة من الطاقة الحديثة: قلنا إن أهداف الألفية الثانية تصدت لمحاربة الفقر في جميع جوانبه إلا أنها أهملت «الهدف التاسع» المفقود وهو القضاء على فقر الطاقة الذي يتمثل بوجود أكثر من مليار نسمة بدون طاقة كهربائية ووجود 2.5 مليار نسمة يستهلكون الوقود العضوي (الحطب والجلة) للطبخ والتدفئة، ووفاة ما يقرب من 5 ملايين نسمة سنوياً معظمهم من الأطفال والنساء جراء استنشاق الدخان المتصاعد من الوقود العضوي طبقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية.
قدمت المملكة مقترح القضاء على فقر الطاقة في قمة أوبك الثالثة التي استضافتها في نوفمبر 2007 بمدينة الرياض قبل أن ينادي بها بان كي مون بأربعة أعوام ثم أصبحت الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة. والحديث عن هذه المسألة ذو شجون وأشجان وربما نحتاج إلى وقفة أخرى.
لكنني أختم بملاحظة ألهمني بها معالي الدكتور فهد المبارك الأمين العام لقمة العشرين في إشارته إلى أهداف التنمية المستدامة في محاضرة له ألقاها بجامعة الملك سعود عن استضافة المملكة للقمة بعد عام من الآن والاستعدادات التي يقوم بها الجهاز الذي يرأسه -وفقه الله- ويحدوني أمل كبير أن تنتهز المملكة هذه الفرصة لإبراز أهداف التنمية المستدامة في أجندة المؤتمرين على نحو يوضح للعالم الدور الريادي للمملكة وقيادتها الحكيمة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة حتى قبل صدورها من الأمم المتحدة.
والله ولي التوفيق،،