عمر إبراهيم الرشيد
جاء حادث (نيوزيلندا) الأثيم ليعري الإرهاب (الآخر) الذي طالما أراد معظمهم إلصاقه بالمسلمين والعرب تحديدًا، وحدث في دولة وادعة كانت في منأى عن أسوأ الظنون، وكأن حكمة (من مأمنه يؤتى الحذر) تنطبق عليها. وإن كان المصاب كبيرًا في هذا الاعتداء الأثيم، إلا أن ذلك النعيق غربًا وشرقًا سيعيد حساباته ويفكر كثيرًا قبل أن يلصق الإرهاب بدين أو عرق محدد دون سواه. ثم ما شاهدناه من التفاتة الشعب النيوزيلندي ومن ورائه العالم إلى المسجد والإسلام، بل وتلاوة القرآن الكريم في البرلمان النيوزيلندي، إضافة إلى الفضول الذي يدفع الملايين عبر العالم للتعرف على هذا الدين بفعل صدى الحادثة، كل هذا وغيره إنما هي فرص توالدت من هذه الحادثة. ولعل هذه الحادثة تجعل بعض الجاليات والأقليات المسلمة في الغرب عمومًا تعيد تنظيم عملها بحيث تلتزم باحترام قوانين البلد المضيف -ولا أقصد الذين استشهدوا في هذه الجريمة- إنما أقصد تجنب منح الذرائع لحاقد أو متعصب أو إرهابي، بدعوى أن المسلمين أو العرب يخالفون القوانين وينشرون الفوضى ويضيقون فرص العمل على مواطني بعض الدول المضيفة ويستنزفون مواردها، كما نسمع ونشاهد من بعض متعصبي ومتطرفي تلك المجتمعات. فكلما استغل المهاجر الفرص المتاحة والتزم بقانون البلد المضيف وأصبح عضوًا منتجًا في محيطه الجديد، استفاد وأفاد بلده الأم وحضارته الأصلية كذلك.
لقد تحدثت هنا من قبل عن نماذج عربية وإسلامية مشرفة، كمثل محمد صلاح لاعب الكرة العربي في إنجلترا، وكيف أثر بتحضره وأخلاقه مع التزامه بدينه وهويته على الملايين من الشباب البريطاني بل والغربي عمومًا، وغيره من لاعبين مسلمين أفارقة لم تدفعهم خلفياتهم الفقيرة إلا إلى العطاء والإحسان فضربوا أرقى الأمثلة. الأخلاق والإِنسانية قيم إسلامية كما هي إِنسانية، وهذه الحادثة لم ولن تطفئ هذه القيم {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.