م. بدر بن ناصر الحمدان
ظهر مفهوم إعادة الهندسة أو (الهندرة) في بداية التسعينيات كفلسفة جديدة لتطوير عمليات التنظيم، جاء ذلك في كتاب (هندرة المنظمات) لـ «مايكل هامر» و»جيمس تشامبي» وشكل هذا المفهوم الجديد آنذاك ثورة كبيرة في عالم التنظيم الإداري عطفًا على دعوته إلى إعادة النظر في كافة المسؤوليات والإجراءات والإستراتيجيات التي تأسست عليها كثير من المنظمات والشركات وبيوت الأعمال في ظل عدم ملاءمة الحلول الإدارية التقليدية، ومع مرور الوقت زادت ثقة الحكومات في أسلوب إعادة هندسة العمليات (الهندرة) كأسلوب مختلف عن مداخل التطوير والتنظيم الإداري الأخرى.
من النادر أن تحدث عملية «الهندرة» على مستوى بحجم الحكومات المحلية، إلا أن ثمة تجارب ناجحة قادت إلى ممارسة ذلك وفق نموذج عملي، فالاستجابة للإصلاحات التنظيمية التي قادتها وتقودها الحكومة السعودية -على سبيل المثال- في الفترة الأخيرة داخل أروقة أجهزتها الإدارية تبرهن على ذلك، بما تمثله من تجربة فريدة، وعمل غير مسبوق، وخطوات جريئة، إذا ما تم مقارنتها بالظرفية الزمانية والمكانية على حد سواء.
بالرغم من التحديات التي واجهت الحكومة السعودية في المضي قدمًا نحو إعادة عمليات أجهزتها الإدارية إلا أن الفرصة مازالت سانحة ومواتية لإدارة التغيير في ظل هذا المناخ الإيجابي الذي شهد قرارات «استثنائية» ميزتها أنها لم تلتفت لأية مثبطات أو مخاوف أو توقعات كان من شأنها إجهاض ما حصل من «هندرة» نوعية كانت محل ثقة المجتمع المحلي والإقليمي والدولي.
في قراءة سريعة للمشهد العام في المملكة، ومن واقع ما يحدث من تطوير على مستوى تحسين «الإدارة الحكومية» يمكن أن نستنتج أن ثمة مزيدًا من الإصلاحات في طريقها للدخول إلى حيز التنفيذ، ومن الواضح جدًا أن هناك إرادة جادة في إحداث تغيير في تركيبة المهام والمسؤوليات المناطة بمكونات الحكومة التنفيذية على مختلف مستوياتها، والتي من شأنها القضاء على البيروقراطية والفساد وطوي صفحة من الرتابة التي عاشتها كثيرًا من المؤسسات في فترات مختلفة.
كمراقب لمنظومة التغييرات القائمة، أجزم أن هذا الحراك سيطول مراجعة لجدوى بقاء بعض من الأجهزة الحكومية على خريطة الهيكل الإداري العام، خاصة تلك التي مُنحت فرصة كامل على مدى سنوات مضت وأثبتت فشلها أو عدم قدرتها على الإيفاء بما هو مأمول منها، وهذ ما سيفضي حتمًا إلى قرارات قد تشمل إلغاء هذه المؤسسات أو تقليص أدوارها أو دمجها أو نقل مسؤولياتها وربما «هندرتها» بصورة شاملة وجذرية.
الديناميكية التي تعمل بها إدارة الحكومة السعودية المحلية حاليًا لم تعد تقبل مزيدًا من الانتظار على مؤسسات (عقيمة) تستحوذ على حصة من ميزانية الإنفاق الحكومي دون مخرجات حقيقية تنعكس بصورة مباشرة على حياة المواطن السعودي بالدرجة الأولى.
المخاض الذي تعيشه البيئة الإدارية حاليًا سيواجه كثيرًا من التحديات، وسيتطلب مزيدًا من الوقت، وسيحتم العمل والتفاعل بصورة جادة من كافة شرائح المجتمع (مؤسسات وأفرادًا) وربما يكون له ثمن سيتحمله الجميع، لكنه في نهاية المطاف سيقدم نموذجًا فريدًا ومخرجات مستدامة في عمل الحكومة المحلية، وسوف يسهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في رفع مستوى «جودة الحياة» لمن يعيش على الأراضي السعودية وهذا هو الهدف الأسمى والغاية الرئيسة من كل هذه المبادرات الإصلاحية التي نعيشها ونتعايش معها في الوقت الراهن.
هي بمنزلة جسر يُبنى، سيأخذنا جميعًا وأجيالنا إلى مستقبل أكثر إشراقًا، و»إنّ غَدًا لنَاظِرِهِ قَرِيبُ».