عبده الأسمري
في صوته «مقام» اليقين.. وفي صيته «مرام» التقى.. شدا بالذكر الحكيم بحنجرة «منفردة» فقرأ الآيات، واستقرأ السور، واستقر في مشهد «الإمامة» كقامة كتبت «المجد» بحبر الخشوع، واستكتبت «الجد» بجبر الهجوع.
إنه إمام الحرم المكي الشريف الشيخ عبدالله عواد الجهني أحد أبرز الأئمة في السعودية، وأمهر قراء القرآن الكريم تجويدًا وترتيلاً.
بوجه مديني أصيل، وملامح جادة تحفها علامات «الزهد»، وإيحاءات «السكينة ومكملات»الوقار»، وعينَيْن تفيضان ودًّا، مع كاريزما تتقاطر منها سمات «السمو» الديني وسمت «الرقي» الشرعي.. مع صوت فريد يتوارد منه «جمال التلاوة»، ويتعاقب فيه «امتثال» الترتيل وسط «لحن بشري» مسجوع بالمقامات «المرتلة» والاستقامات «المجودة»، تنبع من لسان فصيح قويم، وصدى صوتي ينطق آيات القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار بإبداع يطرب الآذان بمحاسن «القول»، وإمتاع يبهج الوجدان بحسنى «اللفظ»؛ لتملأ الأرواح بالامتثال، وتسر الأنفس بالاكتمال..
قضى «الجهني» جُل عمره فارسًا، يرسم البطولات في أسمى «تتويج» وأبهى «تكريم» بين محاريب مساجد «مكة والمدينة» أعظم بقعتَيْن في الأرض إمامًا وخطيبًا في الحرم المكي والحرم المدني ومسجد قباء ومسجد القبلتين مكملاً «عقد» الإمامة الفريد، لابسًا «تاج» الكرامة المجيد في أعلى «مناصب» الدنيا وأغلى «مواقع» العطاء.
في طيبة الطيبة وُلد الجهني بين أب ملأ ذاكرته الصغيرة بروائع الأمنيات، وأُم أشبعت مذكراته المنوعة ببدائع الدعوات.. ونشأ في كنف أسرة، كتبت له «تعبير» التفوق بوصايا «النقاء»، وأسبغت عليه بعطايا «الانتقاء»، فتربى وسط «بيئة متدينة»، رسمت له خارطة «النبوغ» من بوابة «التحفيظ»؛ ليكون القرآن «ربيع قلبه» طفلاً، و»نور صدره» شابًّا.. حاملاً «مصحفه» كدليل على «المغانم»، واستدلال نحو «الغنائم»؛ ليكبر وفي يمناه «تلويحة» النصر، وفي يسراه قبضة «الانتصار»..
ركض الجهني صغيرًا بين واحات المدينة، وتشكلت على سحنته «بوادر» الطيبة التي تشربها من حياض حيِّه الصغير المكلل برائحة «الطين» المرفل بحكايات «الطيبين»، وجال وسط أحياء الحرة الغربية والعنبرية والعوالي متأبطًا حقيبته الصغيرة الممتلئة بأحلام البدايات وعبارات «المستقبل» مخطوفًا إلى «اللحن السماوي» في تلاوات الفجر بالمسجد النبوي، مشفوعًا باعتلاءات «الهمم» في ذهنه وهو يردد الآيات خلف معلميه معجبًا بروعة الإتقان في تلاوة علي الحذيفي، ومتأثرًا من كفاءة التجويد في صوت إبراهيم الأخضر، ومتعجبًا من صدى الحروف في حنجرة محمد أيوب.. فظل مرابطًا في «الصفوف الأولى» متشربًا «التذوق القرآني»، مزاحمًا «الكبار» في حضرة «التكبير»، متسلحًا بأمنية «العمر» ودافعية «الذات»؛ ليركض أولى خطواته على عتبات «الجوامع» مرضيًا غروره الباكر بملازمة «مجالس الصالحين»، ومداومة «الحفظ» في حلقات الحافظين باكرًا؛ وهو ما جعله يحفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره، ثم ينال «الكرامة» الأولى بنيل مركز «الأول مكرر» لمسابقة حفظ القرآن الكريم العالمية في مكة المكرمة وهو في ربيعه «السادس عشر».
سيرة تعليمية سديدة، قضاها الجهني بين مقاعد «التعليم العام» و»محافل» تحفيظ القرآن الكريم، وانتظم بالجامعة الإسلامية، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية القرآن، وأَمَّ المسلمين في مسجد القبلتين، ثم عمل إمامًا في الحرم النبوي الشريف لعامين وعمره حينها 21 عامًا، وعُيّن أستاذًا في كلية المعلمين بالمدينة المنورة، ثم عُيّن بعد ذلك إمامًا في مسجد قباء لمدة أربع سنوات، ثم صدر أمرٌ من المقام السامي بتكليفه بالإمامة في المسجد الحرام خلال صلاة التراويح في شهر رمضان لعام 1426هـ - وعام 1427هـ، ولا يزال.
وتتلمذ على أيادي كبار القراء في المدينة، وقرأ على أيديهم العلوم الدينية المختلفة، وقد أجازه العديد من علماء القراءات.
عُرف عن الجهني إبداعه في تلاوة الآيات القرآنية؛ إذ تتعالى تلاوته بإتقان «استثنائي»، يلامس حد «الإدهاش»؛ لتتراءى وكأنها «خطاب بصري».
أقام الجهني في «قلب» التقوى محفل «الإمام»، واستقام في «ذاكرة» التاريخ باحتفال «الهمام».. ولاذ بذكريات طفولة «آمنة»، تعتقت ببركات «القرآن»؛ فكانت «الرقم السري» الذي فتح به «بوابات» الاعتزاز.. فحصد الذكر الطيب في قلوب الشاهدين والشهود.. وحشد مهارات «العمر» في إمامة القائمين والركَّع السجود.