د. فوزية البكر
لا أحد أبدًا يعرف المملكة قبل سنوات قليلة ويتصور أن ما حدث وسيحدث يجري فعليًّا على أرض الواقع، وأن عالمنا السعودي فعلاً يتغير بوتيرة غير مسبوقة، سواء تعلق ذلك بالمناخ العام أو الاقتصاد أو المرأة أو التعليم أو الرياضة أو الترفيه أو المشاريع الكبرى أو شبكة الاتصالات الهائلة وتطوير ربط المدن بشبكة مواصلات عملاقة بما تحتاج إليه من بنى تحتية، وتطوير للتعليم والخدمات.. إلخ.
سعودية اليوم هي ورشة عمل هائلة، تضم الناس من كل المشارب؛ ففيهم الفَرِح، وفيهم المتخوف والقَلِق، وفيهم «الزعلان» والرافض، أو ذلك المتقبل على مضض.. كما أن هناك صاحب اللاموقف.. إلخ من اتجاهات الناس حول برامج الرؤية. لكن المؤكد أن هناك حلمًا سعوديًّا، يقوده رجل قوي، وشجاع، ولديه من إمكانات الدعم التاريخية والأسرية والمجتمعية ما يجعله يمضي قُدمًا لإصلاح الاقتصاد والبلاد، وبناء سعودية تتماشي مع ما يجري من واقع حضاري، وحقائق اقتصادية ومعيشية، يعيشها العالم أجمع.
أمام ذلك يمكن لنا أن نتساءل: كيف يمكن مساعدة الناس (خاصة أولئك الذين يعانون قيميًّا أو تقليديًّا أو شخصيًّا في تقبُّل بعض تغييرات الرؤية)؟ كيف نساعدهم على تقبُّل التغيرات؛ ليكونوا جزءًا منها؟ أي إن السؤال الرئيس هو:
كيف نبني عقلية منفتحة، تقبل التغيرات، وتتماشي مع ما تفرضه المرحلة الحالية من تغييرات كبيرة قيمية وثقافية واجتماعية وأسرية واقتصادية؟
لعقود اجتهد العلماء والأكاديميون لتعريف مفهوم الانفتاح الفكري، وما الذي يجعل شخصًا ما أقل انفتاحًا وأقل رغبة في التجريب؟
قبل بضع سنوات بدأ علماء من جامعات مختلفة بعمل دراسات كثيرة، ثم في عام 2016 قام أساتذة بجامعة ببردين بالولايات المتحدة بتقسيم مفهوم الانفتاح الفكري إلى أربعة مكونات، رأوا أن توافرها يساعد على تحديد العقليات الأكثر انفتاحًا. وهذه المكونات هي:
- احترام وجهات النظر الأخرى.
- عدم الإفراط في الثقة بالنفس من الناحية العلمية أو الفكرية.
- فصل الأنا عن المجال الفكري أو العقل للشخص نفسه.
- الاستعداد لمراجعة وجهات النظر الشخصية.
الطريف أن العلماء تمكنوا من وضع مقاييس للانفتاح الفكري، وطبقوها على الآلاف، وأظهرت النتائج أن 95 % من الناس تعتقد فعلاً أنها تتمتع بالانفتاح الفكري حتى لو لم تكن!
تبع ذلك مئات الدراسات التي أثبتت أن هناك علاقة قوية بين الانفتاح الفكري وطريقتنا في الحياة وطبيعة دراستنا، وأين درسنا؟ وماذا درسنا؟ ثم في أي عمل نعمل؟
أظهرت الأبحاث أيضًا أن نشاطات محددة تساعد أكثر من غيرها على جعلنا منفتحين فكريًّا، منها: السفر بكثرة، أو المعيشة في ثقافات أخرى لمدد زمنية؛ إذ يجعلنا ذلك أقرب إلى قبول أن الناس يمكن أن تعيش بطريقة مختلفة عنا، كما يجعل أدمغتنا تعمل بطريقة مختلفة عند حل المشكلات نتيجة للتنوع الذي شهده الإنسان لمعايشته بعض الثقافات المختلفة عما عايشه.
أيضًا وجد العلماء أن التأمل الذاتي وممارسة اليوغا يساعدان على التعمق في النفس، وفهم دوافعها الخفية؛ هو ما يمكِّن المرء من حلحلة بعض عقده العقلية الخفية.. لكن أيضًا يمكن لنا أن نختبر أنفسنا من خلال ممارسات يومية بسيطة، مثل: هل نقبل مثلاً تجربة نكهة آيس كريم بالكاتشوب أو بمخلل البصل؟ هل تجد لدى نفسك القابلية للتجريب حتى لو لم يكن هو تفضيلك؟
كلمات بسيطة أيضًا قد نستخدمها عند الحديث مع الآخرين، ستتيح لنا ولهم مساحة من القبول عند اختلاف الرأي، كأن نقول: ربما أكون مخطئًا لكني أعتقد كذا وكذا. هذا التعبير يحمل فكرة قابليتك لمراجعة أفكارك، ولا يهدد أفكار من تتحدث معه.
لكن لنتذكر أن الانفتاح الفكري لا يعني فقط تقبُّل الآخر، بل يعني أن تكون فضوليًّا ومتسائلاً وقابلاً لتجريب أشياء جديدة، سواء تعلق الأمر بطرق جديدة فعلاً، أو بتعديل طرق اعتدنا عليها.
وهذا ما تحاول الرؤية مساعدتنا لفعله: نحن نقوم بالأشياء نفسها، ولكن بطرق مختلفة. فنحن مجتمع مسلم وعربي وسعودي، ولدينا ذات القيم والإرث التاريخي والثقافي، لكننا اليوم نسعى إلى أن نرى الأشياء ونقوم بها من منظور مختلف. فحاول أن تكون منفتح الذهن بما يمكنك من رؤية النصف الممتلئ من الرؤية. عاش هذا الوطن آمنًا مستقرًّا.