د. حمزة السالم
ليس من عادتي التسوُّق في بلادنا؛ فلم أضطر لنزول الأسواق عندنا إلا قريبًا. وقد لفت نظري عدم منطقية تسعير السلع اطرادًا مع كميتها أو متعلقاتها، كالمخاطرة أو الطلب أو الموسم أو الصلاحية. فالسلع الغذائية مثلاً تُعرض في السوبر ماركت بأحجام مختلفة. والمنطق يلزم بأن السعر ينخفض مع زيادة الكمية أو الحجم (ما لم يكن الحجم عاملاً مؤثرًا في ذات أفراد المنتج، كاللآلئ مثلاً). فكيلو الأرز المعلب في كيس وزنه كيلو واحد - على سبيل المثال - يجب أن يكون أغلى من كيلو الأرز نفسه المعلب في كيس وزنه خمسون كيلو. وأسباب الوجوب سببان: الأول إنتاجي، والثاني تسويقي. فإنتاجيًّا، متوسط كلفة التعليب والتغليف تتناقص عكسيًّا مع زيادة الكمية (إلى أن تصل الحد الأدنى ثم تتصاعد بعد ذلك، تمامًا كمنحنى اطراد التعلُّم أو الخبرة مع عدد السنوات). وأما تسويقيًّا فإن البيع المفرد للسلع موحدة الثمن بسعر الجملة يضيع على البائع فرصة غنيمة تحصيل غالب قيمة حاجة المشتري للسلعة.
لذا فأنا أنصح بأن قرار المشتري بين كيس الجملة وكيس المفرد يعتمد على تقسيم السعر على وحدة قياسية مشتركة، كالكيلو في مثالنا السابق.
وكذلك لفت نظري عدم تسعير الضمانات مع مدى احتماليات الحاجة إليه. فتجد مثلاً أن تسعير ضمان الأجهزة الكهربائية بين شتى أنواع السلع موحد بنسبة ثابتة مع السعر. وهذا غير منطقي، وفيه ظلم لبعض المشترين من أجل آخرين. فالتسعير الموحد للضمانات بغض النظر عن السلعة يعني فرض كفالة اجتماعية بين جميع أفراد المشترين. فيتحمل مشتري السلعة التي تقل احتمالية خرابها كلفة سلعة عالية الاحتمالية للأعطال التي اشتراها مشترٍ آخر.
لذا أنصح عند شراء الضمانات أن يقارن بين احتمالية الحاجة لضمان الخدمة مع نسبة الضمان.
كما لفت نظري أن السلع الكمالية المستوردة تعرض عندنا بسعر رجعي لسعر السلعة عند طرحها في الأسواق المصدرة. كالملابس مثلاً أو الكمبيوتر ونحوها.
فالملابس المستوردة لا تعرض عندنا إلا بعد تخفيض أسعارها في بلاد إنتاجها؛ وذلك بسبب ذهاب موسمها أو عدم توافر القياسات أو الألوان. فسوقنا سوق مستهلك لفضلات الأسواق المنتجة؛ لذا ترى في أسواقنا محدودية الألوان أو القياسات أو تأخر إنزالها، مع حملها نفس أسعارها يوم نزولها في بلادها متوافرة الألوان والقياسات.
وعندك الكمبيوترات مثلاً، فلم أرَ قط كمبيوترًا يسوَّق عندنا إلا بعد أن ينزل جديد في بلاد الإنتاج، ويكون قد تجاوز الموديل الذي قبله - وهو الموديل الذي يطرح عندنا - بالجودة والكفاءة.
وبنفس مفهوم تصريف الكمبيوتر والألبسة على أسواقنا هناك أيضًا اعتبار مدى صلاحية المنتج، وهذا نراه في الأطعمة طويلة الأجل غالبًا. فمستوى الحزم في الصلاحية غالبًا ما يكون أشد في البلاد الغربية، وأخص أمريكا، لمعرفتي بها. فمما كانت تفعله الشركات هناك تصدير الأطعمة لأمريكا الجنوبية، التي ضاق وقت صلاحيتها طبقًا للأنظمة الأمريكية وهي لا تزال صالحة للاستهلاك. فلما حوكموا، ونزلت فيهم الغرامات الضخمة، صاروا يلجؤون لتخفيض أسعار هذه الأطعمة لتصريفها. اللهم إلا أن يتوافر لهم سوق يشتري فضلاتهم دون نقص في السعر (والغالب - والله أعلم - أن هذه الممارسات هي من ربعنا لتحقيق الأرباح الضخمة).