فوزية الجار الله
لم تكن المرة الأولى التي تجد فيها نفسها مستكينة هادئة رغم أن الموقع لم يكن بحجم توقعاتها، لكنه يبقى جميلاً ودافئاً عما هو خارجاً عن نطاقه التو واللحظة!
هي مسيرة لا مخيرة! مطلوبة لا طالبة.. مغلوبة لا غالبة!.. لا.. لا يبدو الأمر كارثياً إلى هذا الحد، لكنها تنتظر!.. قرأت أخيراً عن فلسفة الانتظار لدى أحدهم حتى كادت تعتقد بأن الانتظار هو ركن من أركان أحد المذاهب الدينية، لكنها بحاجة إلى متابعة القراءة للتوصل إلى حقيقة ما إذا كان ذلك رأياً خاصاً لذلك الكاتب أم أن الانتظار حقاً كما وقع في نفسها حوله! لكنها فيما يتعلق بدينها تعرف أمراً مشابهاً أكثر وضوحاً وأقرب إلى الواقعية يدعى بـ (الصبر):
(سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري
سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر
أني صبرت على شيء أمرّ من الصبر)
* أبيات ما زالت يتردد صداها في الذاكرة.
تأخرت الطبيبة عن موعد قدومها المحدد، مضى ما يقارب النصف ساعة، سألت العاملة اللطيفة التي قدمت لها فنجان الشاي بناء على طلبها، قالت بكلمات مبهمة، لكنها فهمت بإيماءة من رأسها بأنها لا تعلم، وأشارت إليها بأن تسأل الموظفة التي أجابت بأنها قادمة في الطريق وأردفت كلماتها بابتسامة..
مرة أخرى سياج اللغة ومنعطفاتها المتأبية، ليس من السهل أن تتعلم لغة ثالثة، وقد حشرت في ذاكرتها منذ زمن لغتين، أما التركية فتحتاج إلى وقت حتى تتمكن من إتقانها التام..
منتصف النهار، الطقس بارد، لكنه هنا أكثر دفئاً.. لم تكن غرفة انتظار المراجعات بالمعنى المتعارف عليه تماماً، كانت أشبه بالبهو المفتوح أمام واجهة زجاجية خلفها جلسة خارجية أنيقة تتصل بالباب الخارجي..
اليوم هو اليوم السابع (الجمعة) يومنا الإسلامي العظيم (لم يكن هذا الموعد هو اختياري بسبب اكتظاظ المواعيد.. كنت أفضل لو كنت الساعة في منزلي أمارس طقوس عبادتي بمنتهى الهدوء، دون أمر دنيوي يشغلني)..
فجأة وجدت إلى جانبها شابة صغيرة بحجاب رمادي أنيق وبين يديها طفل جميل يبدو في أواخر عامه الأول، أخذت تناغيه وتلاعبه..
بعد ديباجة قصيرة تعرفت فيها إليها، قالت بأنها من «هولندا» لكنها عربية الأصل فجدّتها لأمها مغربية وأنها هنا زائرة لمدة قصيرة وأن زوجها فلسطيني الأصل هولندي المنشأ، لكنهما قد اتخذا قراراً بالرحيل في المستقبل القريب إلى أمريكا.. انطلقت بالحديث ربما شجعها كوننا نستطيع تبادل الحديث معاً بالإنجليزية وربما لأصولنا العربية، تابعت السيدة الشابة:
هل سمعت آخر الأخبار؟ علمتُ ذلك وأنا في الطريق برفقة زوجي إلى هنا، شخص ما هاجم المصلين في أحد المساجد في نيوزيلندا، وقد بلغ المصابون حتى الآن تسعًا وأربعين شخصاً!
اللهم لطفك.. أذهلني الخبر، وتلفت حولي أترقب وانتظر صوتاً آخر يقول ليس ثمة شيء، ليس الخبر سوى إشاعة عابرة.