د.عارف أبوحاتم
في الأعراف والمواثيق الدولية مساحة واسعة للتحرك والتدخل العسكري للدول، منها ما يأتي بغطاء أممي وعبر بوابة مجلس الأمن، كما فعلت الولايات المتحدة في حربها ضد كوسوفو 1999، ومنها ما يأتي عبر «الضرورات» المجيزة لاستخدام القوة العسكرية، خارج المواثيق الدولية كما فعلت أمريكا في حربها على العراق سنة 2003.
قبيل الاضطرار إلى استخدام القوة العسكرية كان واضحاً حرص دول مجلس التعاون الخليجي على التماشي مع أعراف المواثيق الدولية، من خلال لجم السلاح والسعي أولاً إلى تسوية النزعات العسكرية بوسائل سلمية، والاشتغال بأدوات السياسة الناعمة، بدلاً عن خشونة الآلة العسكرية، وفي الصدد انعقد اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة في 9 ديسمبر 2014 أي قبل قيام عاصفة الحزم كما انعقد اجتماع آخر لوزراء خارجية دول الخليج العربي وتم توجيه دعوة إلى الأطراف اليمنية إلى حوار شامل في الرياض، وذلك في مسعى لنزع فتيل الحرب التي يتطاير شررها، وتحملها النُذر في كل اتجاه.
توالى الحرص السعودي - الخليجي على لَمِّ الشمل اليمني تحت سقف حوار وطني لا يستثني طرفًا أو قضية، وتغليب المصلحة العليا للبلاد على باقي المصالح الشخصية والحزبية والجهوية، غير أن تدفق قوات الأمن الخاصة حينئذ على محافظة تعز والاشتباك مع الأهالي ووقوع قتلى وجرحى عند المدخل الشرقي للمحافظة، ثم الذهاب شرقاً باتجاه عدن بقوات وعربات ودبابات الأمن الخاص والحرس الجمهوري وتطور المعارك بدراماتيكية عنيفة أدت إلى اعتقال وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي والعميد فيصل رجب قائد اللواء 119 مشاة واللواء ناصر منصور هادي «شقيق رئيس الجمهورية» رئيس جهاز الأمن السياسي في محافظات عدن ولحج وأبين عند المدخل الشرقي لمحافظة عدن، ثم وقوع الكارثة الكبرى بقصف قصر المعاشيق الرئاسي الذي يقيم فيه الرئيس هادي بالطائرات الانقلابين القادمة من صنعاء.
قبيل إعلان التحالف انطلاق عملياته العسكرية كان الرئيس هادي قد وجه رسالةً رسميةً إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وأشقائه قادة دول الخليج في 24 مارس 2015 يطلب منهم التدخل لحماية الدولة اليمنية من السقوط في يد الجماعة الحوثية الموالية لإيران، وتم بناء رسالة الرئيس لقادة دول الخليج وفق الأسس القانونية الدولية حتى لا يُترك مجالاً لثغرة قانونية يمكن الولوج منها لتخطئة أعمال التحالف العربي في اليمن، حيث أكدت الرسالة على التالي:
- قدمت الرسالة المبررات الموضوعية للتدخل العسكري حيث أكدت نفاد خيارات العمل السياسي والتسويات السلمية مع قادة الانقلاب، خاصة بعد انقلابهم على اتفاق السلم والشراكة الذي أعده المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر بعد لحظات من استكمال السيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
- قال الرئيس هادي في رسالته لقادة الخليج العربي «وأطلب منكم، استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، واستناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، تقديم المساندة الفورية بكل الوسائل والتدابير اللازمة بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر، وردع الهجوم المتوقع حدوثه في أي ساعة على مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، ومساعدة اليمن في مواجهة القاعدة وداعش».
وفقاً للمواثيق الدولية واشتراطات خبراء العلاقات الدولية فإن تدخل التحالف العربي في اليمن يعد قانونياً بطريقة لا لبس فيها أو وجه للتأويل وتعدد الاحتمالات، ذلك أن التحالف قد تحصل على عوامل عدة تمنحه شرعية الفعل العسكري؛ أهمما:
- وجود تأييد شعبي كبير في الداخل اليمني عند انطلاق عاصفة الحزم، خاصة في المناطق الواقعة خارج نفوذ المذهب الزيدي والتي تمثّل ثلتي اليمن في السكان والمساحة، أما بقية المناطق ضمن نفوذ «الزيدية» فسكانها واقعون تحت تهديد السلاح الحوثي، رغم أن كثيرًا منهم أيدوا عاصفة الحزم، بعد أن تمكنوا من الفرار.
- التدخل جاء بناء على طلب من السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي المنتخب من الشعب اليمن بإرادة حرة وبأغلبية لم يحظّ بها رئيس من قبله.
- القيادة الشرعية التي منحت التحالف العربي شرعية التدخل العسكري في اليمن معترف بها دولياً، ولم يحدث للمجتمع الدولي أن شكك بها أو دعا إلى الانتخاب أو التوافق على غيرها.
- حصل التدخل العربي في اليمن على دعم إقليمي ودولي، فقد أيدت كل من منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والأمانة العامة لدول مجلس التعاون العربي التدخل العسكري في اليمن، فيما كان تأييد الاتحاد الأوروبي يأتي على شكل تصريحات لمندوبي الدول الأوروبية الوازنة في مجلس الأمن، وهو ما أكده مندوب فرنسا وألمانيا وبريطانيا (قبل أن تغادر الاتحاد الأوروبي) على ضرورة انصياع الحوثيين لعملية السلام والالتزام النافذ بقرار مجلس الأمن رقم 2216 -2015 والشيء ذاته فعله مندوبا الصين وروسيا.
- عمل التحالف العربي في اليمن على تقديم المساعدات والمعونات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب، وقدم عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ انطلاقه في 13 مايو 2015 والهلال الأخضر السعودي والهلال الأحمر الإماراتي والهلال الأحمر الكويتي، وكل ذلك من أشكال الدعم الإنساني لليمن الذي يُلزم به القانون الدولي أثناء تدخل الدول عسكرياً ضد أعمال معادية في دول أخرى.
- واستطاع التحالف العربي استصدار القرار الأممي رقم (2216 -2015) الصادر تحت الفصل السابع المجيز لاستخدام القوة العسكرية في 14 أبريل 2015 أي بعد 18 يوماً من انطلاق عاصفة الحزم، وبإجماع جميع الدول الـ14 الأعضاء في مجلس الأمن، وهو ما اعتبرته الشرعية اليمنية لاحقاً واحداً من أهم مرجعياتها السياسية في عملية التفاوض مع الانقلابين برعاية أممية.
- ووفقاً للقرار (2216 -2015) فقد غض المجتمع الدولي الطرف عن التدخل العسكري في اليمن، استشعاراً من الدول الكبيرة أن الخطر الإيراني يزداد ويشكل تهديداً لها وطلب وزير الدفاع السابق ماتيس، من البيت الأبيض، رفع القيود التي وضعها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، على الدعم العسكري لدول الخليج بقيادة السعودية في حربها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
- تضمن القرار الأممي دعوة ميليشيا الحوثي إلى «الكف فورًا دون قيد أو شرط، عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن أي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، والإفراج عن وزير الدفاع محمود الصبيحي، وعن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص رهن الإقامة الجبرية، وإنهاء تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم».
- وتمكن التحالف العربي من حشد قوة دولية أخرى إلى صفه المناهض للقوة الانقلابية في اليمن، فقد فتحت الصومال مجالها الجوي ومياهها الإقليمية والقواعد العسكرية للتحالف لاستخدامها في العمليات، وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية وسارعت أيضاً لبيع الأسلحة لدول التحالف، ونشرت الولايات المتحدة وبريطانيا أفرادًا عسكريين في مركز القيادة والسيطرة المسؤول عن الضربات الجوية.
- توسعت عمليات التحالف العربي لتشمل كل مهدد من شأنه زعزعة استقرار اليمن أو خلخلة بنيته الأمنية، وفي إطار ذلك تم قصف معاقل وأرتال لتنظيم القاعدة في مناطق أبين وشبوة شرق البلاد، كما تم ضبط عدد من المطلوبين أمنياً على ذمة قضايا إرهابية في محافظات عدن ولحج وأبين، وقد أشارت رسالة الرئيس هادي لقادة دول الخليج إلى هذه الجزئية المهمة بوضوح، إذ ورد في ختام رسالته ما نصه: «ومساعدة اليمن في مواجهة القاعدة وداعش».
ولو لم تقم عاصفة الحزم لدخلت اليمن في حرب أهلية ستكون مهددًا حقيقيًا لدول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية باعتبارها الجار الأقرب، ولاتساع الحدود البرية والبحرية معها، والأخطر من كل ذلك تهديد الملاحة الدولية في واحدة من أهم ممراتها، وهو باب المندب الذي تعبر منه 10 % من تجارة العالم (20 ألف سفينة سنوياً).. وقد سبق للعناصر الحوثية المتدربة في إيران استهداف أمن الملاحة الدولية مرات عدة، منها ناقلة النفط السعودية في 25 يوليو 2018 والسفينة الإماراتية في 15 يونيو 2017 والمدمرة الأمريكية «مايسون» في 12 أكتوبر 2016.. وتمكن التحالف العربي من نزع مئات الألغام البحرية في منطقة باب المندب والشريط الساحلي الغربي.
وثمة خبراء في القانون الدولي أجازوا حق «الدفاع الاستباقي عن النفس» كقاعدة عرفية دولية، ومنذ أحداث 11 سبتمبر -أيلول، تجاوزت الدول العظمى في استخدامها للقوة الشروط المنصوص عليها في الميثاق، فعلى سبيل المثال، اتجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تبرير احتلال العراق عام 2003 إلى ما يسمى بـ «الخيط الذهبي» الذي يربط هذا الحق بقرارات أصدرها مجلس الأمن عام 1991.
ويجوز للدولة السعودية التمسك بحق الدفاع عن النفس الاستباقي طالما بقي هذا الحق قاعدة قانونية عرفية تعود إلى ما قبل دخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ، وحتى ما بعد دخوله حيز التنفيذ، ويأتي تالياً عجز السلطة الشرعية اليمنية في الدفاع عن نفسها وحماية الشعب ومكتسباته، وهذا يعني أن القوة الانقلابية الحوثية أصبحت تملك قوة أكبر من قوة الدولة، وخوض أي معركة عسكرية معها إما سيدفع السلطة الشرعية إلى الهزيمة الماحقة أو إدخال البلاد في حرب أهلية بلا نهاية.
ثم إن إيران هي الأخرى تتدخل في اليمن - وفقاً لـ»المفهوم التوسعي للتدخل» - من خلال إرسال السفن المحملة بالسلاح والعناصر العسكرية والتصريحات السياسية لكبار رجال الدولة الإيرانية ضد القيادة الشرعية في اليمن، وضد السعودية والتحالف العربي، وتم ضبط سفينتين إيرانيتين «جيهان1، وماهان» في 7 -3 -2013 و26 -10 -2009 محملة بأسلحة مختلفة ومتطورة داخل المياه الإقليمية اليمنية، واعتقال طاقم السفينة «جيهان1» المكون من 8 بحارة إيرانيين، (كان الإفراج عنهم في صدارة اهتمامات الحوثيين عقب اقتحام صنعاء، حيث تم محاصرة مبنى جهاز الأمن القومي حتى تم الإفراج عنهم.
إن حسم المعركة اليوم أهم من حسمها غداً، وحسمها غداً أهم من حسمها بعد غد، فهذه حرب وليست نزهة، وهذه دول طامعة وحاضرة وليست جمعيات خيرية تتألم لمن أكلتهم الحرب، بل دول لها مشاريعها في المنطقة العربية، وليست مستعجلة على شيء.. فقد تركوا كل القدور تنضج على نار هادئة!.
اليوم تقف عاصفة الحزم على عتبات عامها الخامس وفي رصيدها الكثير من المنجزات أقلها منع اليد الإيرانية من اختطاف اليمن من حاضنته العربية، وتكوين حلف عسكري عربي الأول من نوعه في التاريخ العربي، وتعرية كل الوجوه المستترة التي لا تريد خيراً لليمن ودول الإقليم.
** **
- المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية بالرياض
aref78@gmail.com