د. خيرية السقاف
للجدار المتاخم لبيتنا..
للمنحدر الرملي الهارب من قسوة المرتفع الشمالي أمامنا..
للحدَّاد المتقوِّس ظهره لفرط الانحناء على منضدته الحبيسة تحت الطرق، والنحت في طرقاتنا..
لنباح الكلاب الضالة في جوف الليل عن بعد تخيفنا..
لحضنها الملجأ الآمن لحظات الخوف، الحيرة، السؤال، وغموض المجهول...
لدعس الشرطي في موغل الليل يحرس الأبواب المشرعة..
لأصوات باكية تهرب من النوافذ الخشبية تستنجد بالجيران..
لعربة حلوى «القطن» الشهية، و»البليلة» اللذيذة، وأكواز الذرة المقمَّرة..
لمخضوض اللبن المزبَّد في آنيات خشبية على رؤوس أفريقيات في ثياب ملتفة بعناية حول أجسادهن الفارعة..
لهديل «حمام الحرم» يقطنَّ مناقذ البيوت المزخرفة بالألوان، والأخشاب..
لرائحة مطبخها المحرضة لعصافير المعدة..
لوجهه المهيب يطل عائدا من يوم كفاح..
للمدرسة منتجع البهجة، نبت الفسيلة، مهرجان الصويحبات..
لحقيبة الدراسة بزخم الأحبار، والأوراق، وحروف المطابع، وكلمات التكوين، والأقلام الملونة..
لدفتر رسمي الأثير يقفز بين عيني يخاتل لحظات الدرس..
لقفز الفرحة بالنزول للسوق معها متشبثة بعباءتها وأصابع يدها بين شارعي «الوزير» و»الثميري»..
لجارتي الحميمة «صفية» نتجاذب الغروب على السور بين بيتينا..
لعصا «ستي» المنمنمة تتوكأ عليها في غدوها، ورواحها..
لدمعة طفرت عند قدوم الأهل، وهطلت عند ذهابهم..
للسفر البري الطويل وسادتي حجرها الآمن..
للرحلات المحرضة لشغف النبض للقيا الأهل بين الرياض ومكة..
لحلم أفقت منه والوقت فيه لوحة لزمن مضى!!..
لكل ذلك:
لماذا أفقت؟!!..